في زمان ومكان غير معروفين لنا الآن كانت توجد قرية مشركة ضل ملكها وأهلها عن الطريق المستقيم وعبدوا مع الله مالا يضرهم ولا ينفعهم عبدوهم من غير أي دليل على ألوهيتهم ومع ذلك كانوا يدافعون عن هذه الآلهة المزعومة ولا يرضون أن يمسها أحد بسوء ويؤذون كل من يكفر بها ولا يعبدها وفي هذه المجتمع الفاسد ظهرت مجموعة من الشباب العقلاء ثلة قليلة حكّمت عقلها ورفضت السجود لغير خالقها الله الذي بيده كل شيء فتية آمنوا بالله فثبتهم وزاد في هداهم وألهمهم طريق الرشاد ولم يكن هؤلاء الفتية أنبياء ولا رسلا ولم يتوجب عليهم تحمل ما يتحمله الرسل في دعوة أقواهم إنما كانوا أصحاب إيمان راسخ فأنكروا على قومهم شركهم بالله وطلبوا منهم إقامة الحجة على وجود آلهة غير الله ثم قرروا النجاة بدينهم وبأنفسهم بالهجرة من القرية لمكان آمن يعبدون الله فيه فالقرية فاسدة وأهلها ضالون وعزم الفتية على الخروج من القرية والتوجه لكهف مهجور ليكون ملاذا لهم خرجوا ومعهم كلبهم من المدينة الواسعه للكهف الضيق تركوا وراءهم منازلهم المريحة ليسكنوا كهفا موحشا زهدوا في الأسرّية الوثيرة والحجر الفسيحة واختاروا كهفا ضيقا مظلما واستلقى الفتية في الكهف وجلس كلبهم على باب الكهف يحرسه وهنا حدثت معجزة إلاهية لقد نام الفتية ثلاثمئة وتسع سنوات وخلال هذه المدة كانت الشمس تشرق عن يمين كهفهم وتغرب عن شماله فلا تصيبهم أشعتها في أول ولا آخر النهار وكانوا يتقلبون أثناء نومهم حتى لا تهترئ أجاسدهم فكان الناظر إليهم يحس بالرعب يحس بالرعب لأنهم نائمون ولكنهم كالمستيقظين من كثرة تقلّبهم وبعد هذه المئين الثلاث بعثهم الله مرة أخرى استيقضوا من سباتهم الطويل لكنهم لم يدركوا كم مضى عليهم من الوقت في نومهم وكانت آثار النوم الطويل بادية عليهم فتساءلوا كم لبثنا فأجاب بعضهم لبثنا يوما أو بعض يوم لكنهم تجاوزوا بسرعة مرحلة الدهشة فمدة النوم غير مهمة المهم أنهم استيقظوا وعليهم أن يتدبروا أمورهم فأخرجوا النقود التي كانت معهم ثم طلبوا من أحدهم أن يذهب خلسة للمدينة وأن يشتري طعاما طيبا بهذه النقود ثم يعود إليهم برفق حتى لا يشعر به أحد فربما يعاقبهم جنود الملك أو الظلمة من أهل القرية إن علموا بأمرهم قد يخيرونهم بين العودة للشرك أو الرجم حتى الموت خرج الرجل المؤمن متوجها للقرية إلا أنها لم تكن كعهده بها لقد تغيرت الأماكن والوجوه تغيّرت البضائع والنقود استغرب كيف يحدث كل هذا في يوم وليلة وبالطبع لم يكن عسيرا على أهل القرية أن يميزوا دهشة هذا الرجل ولم يكن صبعا عليهم معرفة أنه غريب من ثيابه التي يلبسها ونقوده التي يحملها لقد آمن المدينة التي خرج منها الفتية وهلك الملك الظالم وجاء مكانه رجل صالح لقد فرح الناس بهؤلاء الفتية المؤمنين لقد كانوا أول من يؤمن من هذه القرية لقد هاجروا من قريتهم لكيلا يفتنوا في دينهم وها هم قد عادوا فمن حق أهل القرية الفرح وذهبوا لرؤيتهم وبعد أن ثبتت المعجزة معجزة إحياء الأموات وبعدما استيقنت قلوب أهل القرية قدرة الله سبحانه وتعالى على بعث من يموت برؤية مثال واقي ملموس أمامهم أخذ الله أرواح الفتية فلكل نفس أجل ولا بد لها أن تموت فاختلف أهل القرية فمن من دعى لإقامة بنيان على كهفهم ومنهم من طالب ببناء مسجد وغلبت الفئة الثانية واختلفت الآراء حول موقع ومكان الكهف الذي ارتبط بقصة الفتية المؤمنين المذكورة في القرآن الكريم ضمن سورة الكهف وقد أشارت بعض الاكتشافات الأثرية في العقود الماضية لبعض الكهوف التي تم اكتشافها بالقرب من عمان بالأردن أو أفسوس بآسيا الصغرى أو حتى في اسكتلندا وقد رجحت بعض الأدلة التاريخية و الأثرية و كذلك انطباق آية طلوع الشمس وغروبها أن الكهف الموجود بجنوب عمان في الأردن أن يكون هو الكهف المذكور في القرآن الكريم ففي عام 1963 قامت دائرة الآثار العامة الأردنية بحفريات أثرية تحت إشراف المرحوم رفيق وفا الدجانى في منطقة تسمى سحاب وتقع على بعد حوالي 13 كم جنوب شرق العاصمة الأردنية عمان وقد استدل علماء الآثار والتاريخ بعدة أدلة ترجح بقوة أن يكون هذا الكهف هو الذي جاء ذكره في القرآن الكريم وهذه الأدلة هي الدليل التاريخي من الأدلة التاريخية التي يذكرها رجال الآثار أن العديد من الصحابة و قادة الجيوش الإسلامية قد ذكروا أن موقع الكهف الذي يوجد به أصحاب الكهف موجود بجبل الرقيم بالأردن حيث زاروا هذا الموقع وعرفوه و منهم الصحابي عبادة بن الصامت الذي مر على الكهف في زمن عمر بن الخطاب وأيضا معاوية بن أبى سفيان وكذلك حبيب بن مسلمة وابن عباس قد دخلوا هذا الكهف ورأوا عظام أصحاب الكهف الدليل الأثري تم العثور على بناء أثرى بنى فوق الكهف وهو الذي أشير إليه في قوله تعالى "فقالوا ابنوا عليهم بنيانا ربهم أعلم بهم قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا" فقد أثبتت الحفريات عن وجود بنيان فوق هذا الكهف كان معبدا كنيسة ثم تحول إلى مسجد في العصر الإسلامي ويوجد بقايا سبعة أعمدة مصنوعة من الأحجار غير مكتملة الارتفاع ومخروطة على شكل دائري كما يوجد بقايا محراب نصف دائري يقع فوق باب الكهف تماما وبين الأعمدة الباقية بالمسجد بئر مملوءة بالماء وهى البئر التي كان يتم استخدامها في الوضوء وقد أتيح لمقدم البحث أن يرى هذا المسجد خلال الزيارة الميدانية للكهف وقد تم ترميم المسجد أكثر من مرة وفقا لما هو مدون على الأحجار التي وجدت بداخله وهى تشير إلى تجديد تم عام 117 هجرية ثم عام 277 هجرية ثم أعيد التجديد مرة أخرى عام 900 هجرية مما يدل على اهتمام المسلمين الأوائل بهذا المسجد لاقتناعهم بأنه المذكور في القرآن الكريم ومما يؤكد الاهتمام بهذا الموقع وجود مسجد آخر يقع بالجهة القبلية من الكهف ومازال منبر هذا المسجد قائما إلى اليوم وهو مكون من ثلاث درجات ضخمة من الأحجار على يمين المحراب وقد عثر بالمسجد على بلاطة تفيد بأن الخليفة الموفق العباسي قد أمر بتجديده كما تم العثور على ثمانية قبور بنيت بالصخر أربعة منها يضمها قبو يقع على يمين الداخل للكهف والأربع الأخرى تقع في قبو على يسار الداخل للكهف و المرجح أنها القبور التي دفن فيها الفتية التي ورد ذكرهم في القرآن وفي المنطقة الواقعة بين القبوين في الجزء الأول من الكهف تم العثور على جمجة لكلب وبفكه ناب واحد وأربعة أضراس ويوجد بالكهف دولاب زجاجي يحتوى على جمجمة الكلب الى جانب بعض قطع من النقود التي كانوا يستعملونها ومجموعة من الأساور والخواتم و الخرز وبعض الأواني الفخارية الدليل الجيولوجي يؤكد المهندس الجيولوجي ناظم الكيلانى من خلال فحوصاته المختبرية على أن تربة الكهف ومنطقة الرقيم تساعدان على صيانة الجسم ويذكر أن هذه التربة تتكون من الكاربوهيدرات والكالسيوم والمغنسيوم إضافة الى حفريات النباتات والحيوانات المشبعة بالراديوم وهذه المواد توجد في معادن اليورانيوم والثوريوم المشعة والتي من خصائصها إنتاج شعة ألفاوبيتاوجاما وهذه الأنواع من الأشعة ذات تأثير كبير في تعقيم اللحوم والنباتات والمحافظة عليها وتحول دون تفسخها ويعتقد الكيلانى بأن وجود هذا النوع من التربة بعناصرها وأملاحها ربما يكون ومعها أشعة الشمس المتناوبة الوسيلة التي حفظت أجساد فتية الإيمان أكثر من ثلاثة قرون دون أن تؤثر فيهم عوامل الهواء والتربة أدلة أخرى وتتمثل في أن الكهوف الأخرى التي تم الإشارة إليها على أنها هي التي جاء ذكرها في سورة الكهف لا ينطبق عليها آية طلوع الشمس وغروبها وهو ما أكده الدكتور عبد العزيز كامل الذي زار كهف الرقيم بالأردن مرتين وتأكد من انطباق حركة الشمس في طلوعها وغروبها وعلاقة أشعتها بالكهف كما درس من قبل عددا من الكهوف التي نسب إليها أهل الكهف وأهمها في أفسوس وطوروس واستبعدها لأنها ذات فتحات لا تتفق في سقوط الشمس عليها مع ما جاء في الآيات الكريمة وهو ما توصل إليه خبير الآثار الأردني محمد تيسير طبيان بناء على دراسة استمرت لأكثر من عشر سنوات كما أن كثير من المتخصصين و المهتمين الذين زاروا كهف أفسوس ينفون أن يكون هو الكهف المعنى لبعده عن عاصمة الإمبراطورية الرومانية حوالي 450كم عن أفسوس وحتى لو كانت مدينة أزمير هي مقر الحاكم الروماني ومنطلق الفتية المؤمنين فإنها أيضا بعيدة و لايمكن للفتية أن يبتعدوا كل هذه المسافة عن أزمير