يعد القصر البديع بمراكش من روائع الهندسة بالمغرب بناه السلطان السعدي أحمد المنصور الذهبي (1603-1578) شهورا قليلة بعد تولية الحكم وانتصاره الباهر على البرتغاليين في معركة وادي المخازن عام 1578م اختار أحمد المنصور الزاوية الشمالية الشرقية لبناء هذا القصر الذي يخصص لإقامة الحفلات وتنظيم الاستقبالات الرسمية وقد انطلقت الأشغال به بعد شهر دجنبر من سنة 1578 واستمرت دون انقطاع لمدة 16 سنة وبالرغم من أن القصر يوجد حاليا في حالة خراب إلا أننا نتوفر على عدة نصوص تاريخية وتصاميم تمكننا من التعرف على هندسته ومكوناته المعمارية وزخارفه يشير تصميم برتغالي يعود إلى سنة 1585 إلى أن القصر كان محاطا بسور مدعم في زواياه الأربعة بأبراج وأن الولوج إليه كان يتم عبر عدة أبواب تتواجد الرئيسية منها بالجهة الجنوبية الغربية وينتظم القصر حول ساحة مركزية كبرى تتوسطها بركة مائية كبيرة تتوفر على نافـورة وبجنباتها روضتان مغروستان بالأشجار والزهور وصهاريج مائية ذات حجم أصغر وبوسط الضلعين الصغيرين للساحة يرتفع جناحان لم يتبق منهما إلا آثار واحد وهما ذوا تصميم مربع وكانا مغطيين بقبة يحملهما 12 عمودا ضخما تذكرنا بتلك التي ترفع حاليا قبة القاعة الكبرى لقبور السعديين بمراكش كانت أرضيتهما المغطاة بالزليج تتخللها برك مائية صغيرة تغذيها قواديس مما كان يساهم في تلطيف الجو داخلهما وعلى الجنبات الطويلة للساحة تمتد عدة أجنحة مستطيلة تنفتح بواسطة أقواس لم يتبق منها إلا أطلالها ومن بين أهمها تذكر المصادر قاعة الذهب وقاعة البلور وقاعة الخيزران أما القاعة الخمسينية التي كانت تستعمل كقاعة للاستقبالات فلا زالت قائمة بالجهة الشرقية بالقرب من المدخل الرئيسي للقصر وبسبب حالة الخراب التي يتواجد عليها قصر البديع حاليا فإننا لا نتوفر إلا على عناصر قليلة تمكننا من التعرف على الزخارف التي كانت تغطي جدرانه وأرضيته وسقوفه وتذكر المصادر من بين المواد التي استعملت لهذا الغرض الرخام والجزع من شتى الألوان والتيجان المذهبة والزليج المتعدد الألوان والسقوف الخشبية المذهبة والجبس المنقوش والمصبوغ إضافة إلى النافورات والبرك المائية ويمكننا أن نتخيل حلة القصر البديع من خلال روائع الفن المعماري السعدي المتبقية بمراكش خاصة القبور السعدية ومدرسة بن يوسف ويشكل قصر البديع نموذجا حيا يمكننا من التعرف على عمارة القصور خلال القرن 16 بالمغرب فهو يحمل عدة تأثيرات أجنبية تتجسد من خلال تصميمه الأندلسي الشكل فالأجنحة المحورية مستوحاة من ساحة الأسود بغرناطة ونجدها أيضا في صحن مسجد القرويين بفاس والبركة المائية المستطيلة والكبيرة الحجم نجدها بساحة الريحان أما نظام البرك والقنوات المائية داخل القاعات فنجد مثيلا لها بقصر الحمراء بغرناطة ويفهم من هذا أن الفن الأندلسي بغرناطة ظل يمارس تأثيره على الفن المغربي خلال هذه الفترة بفضل هجرات المورسكيين الفارين من حروب الاسترداد المسيحية ويفيدنا المؤرخ الإفراني في فهم بعض مصادر التأثير الأخرى حيث يذكر أن المنصور الذهبي استقدم العمال والحرفيين من كل البلاد وحتى من أوروبا كما جلب الرخام من مدينة بيز من إيطاليا وهي طرق وتقاليد شائعة في القرون الوسطى ببلاد الإسلام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق