جامع قرطبة واحد من أروع ما أنشأ المسلمون من الأعمال المعمارية ويوجد في قرطبة بالأندلس أسبانيا ويقع هذا المسجد بالقرب من نهر الوادي الكبير وتحيط به ومن جوانبه الأربعة أزقة ضيّقة وهو باعتراف مؤرخي العمارة الأوروبية قمة من قمم الفن المعماري العالمي على مر العصور ودليل قاطع على براعة الأموين في فن الهندسة والمعمار قد تحول اليوم إلى كنيسة ولقد تم بناء هذا الجامع خلال قرنين ونصف قرن تقريبا ويرجع تأسيس المسجد إلى سنة 92 هـ عندما اتخذ بنو أمية قرطبة حاضرة لملكهم الخلافة الأموية في الأندلس حيث شاطر المسلمون المسيحيون قرطبة كنيستهم العظمى فبنوا في شطرهم مسجداً وبقي الشطر الآخر للروم وحينما ازدحمت المدينة بالمسلمين وجيوشهم اشترى عبد الرحمن الداخل شطر الكنيسة العائد للروم مقابل أن يُعيد بناء ما تمّ هدمه من كنائسهم وقت الغزو وقد أمر بإنشائه عبد الرحمن الداخل سنة 785 ميلادي وكانت مساحته آنذاك 4875 متراً مربعاً وكان المسجد قديماً يُسمى بجامع الحضرة أي جامع الخليفة أمّا اليوم فيُسمى بمسجد الكاتدرائية بعد أن حوله الأسبان كاتدرائية مسيحية أهم ما يعطي هذا الجامع الفريد مكانة في تاريخ الفن المعماري أن كل الإضافات والتعديلات وأعمال الزينة كانت تسير في اتجاه واحد وعلى وتيرة واحدة بحيث يتسق مع شكله الأساسي وايوان جامع قرطبةكان الشكل الأصلي لمسجد عبد الرحمن في عام 170 هـ يتألف من حرم عرضه 73.5 متر وعمقه 36.8 متر مقسم إلى 11 رواقاً بواسطة 10 صفوف من الأقواس يضم كل منها 12 قوس ترتكز على أعمدة رخامية وتمتد عمودياً على الجدار الخلفي وهذه الصفوف تتألف من من طبقتين من الاقواس الأقواس السفلية منها على شكل حدوة الفرس والعلوية تنقص قليلاً عن نصف دائرة وهي تحمل سقفاً منبسطاً يرتفع مقدار 9.8 متر عن الأرضية وفوقهم 11 سقفاً جمالونياً متوازياً بينها أقنية عميقة مبطنة بالرصاص والحرم ينفتح على الصحن بواسطة 11 قوس حدوي ترتكز على عضائد على شكل حرف تي والصحن عرضه 73.21 متر وعمقه 60.7 متر ويوجد له باب غربي وباب شمالي على المحور الشمالي الجنوبي كما له على الأرجح باب شرقي متوافق مع الأول وكان للحرم باب واحد يعرف اليوم باسم بوير تادي سان استيبان وللحرم أيضاً 3 دعائم للشرق والغرب تبرز 1.5 متر ودعامتان ركنتيان وعلى الأرجح 10 في الجانب الجنوبي لتتحمل ضغط صفوف الأقواس وسمك الجدران قدره 1.14 متر والصحن لم يكن محاطاً بأروقة والكتابات التي تزين واجهة المحراب يصعب فهمها ومما كتب الآية السادسة من سورة السجدة ذلك عالم الغيب والشهادة العزيز الحكيم ومما كتب أيضا موقف الإمام المستنصر بالله عبد الله الحكم كما كتبت الآية 23 من سورة الحشر "هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون" ومن أعمال الحكم في جامع قرطبة مد قنوات المياه إلى السقايات والميضآت التي أحدثها وقد أوصل الماء إلى المسجد عبر قناة مدها من سفح جبل العروس قرب قرطبة كما أنشا الحكم عدداً من المقاصير منها مقصورة "دار الصدفة" غربي الجامع وقد جعلها مركزاً لتوزيع الصدقات ومقصورة أخرى أمام الباب الغربي كان الفقراء يتخذونها مسكناً لهم وكانت مقاييس الجامع الأول (75 م × 65 م) بالإضافة إلى صحن الجامع وفي عهد الامير الأموي الأندلسي عبد الرحمن الأوسط توسع فيه أكثر ثم المحراب والقنطرة الموجودة فوق الشارع الرئيسي الذي يمر غرب الجامع والهدف منها انتقال الأمير عليها من قصره دون أن يمر في الشارع في سنة 951 ميلادي أنشأ عبد الرحمن الناصر مئذنة جديدة في أقصى صحن الجامع جهة الشمال وهي على هيئة برج ضخم له شرفتان للأذان يصعد إليها بسلم داخلي وهذه المئذنة لا تزال موجودة وقد حولت إلى برج أجراس و في عهد محمد بن أبي عامر المنصور في عصر الأمير هاشم المؤيد عام 987 ميلادي زُيد في الجامع فأصبحت مقاييسه 125 متر × 180 متر لتكون مساحته 22500 م2 أي خمسة أفدنة تعرّض المسجد في سنة 400 هجرية للنهب بعد أن ترك الناس قرطبة نتيجة القتال الذي نشب بين المهدي وبين سليمان بن الحكم واجتاح قساوسة قرطبة سنة 633هـ / 1236 ميلادي ما في قرطبة من مساجد وقصور ويعد صحن المسجد قطعة فنية فهو محاط بسور تتخلله سبعة أبواب وفي جهته الشمالية توجد المئذنة وقد زرع الناس أشجار النارنج وأشجار الليمون فيه ولهذا يسمى صحن النارنج.