أنت مدعو للتجول معي في مدونة عمارة الأرض للذهاب في المكان من شمال الأرض لجنوبها ومن شرقها لغربها وفي الزمان من عصور سحيقة في القدم مرورا بعصور الفراعنة وشعب المايا و الصينيين و اليونان و الرومان ولعصور الخلافة الإسلامية ومن عصور النهضة الي العصر الحديث لترى طرائف غرائب و من أصغر بيت في العالم إلى أكبر ما أبدعه الانسان ومن منزل يسكنه الإنسان إلى أعلي ناطحة سحاب في العالم لنغوص في عمق النفس البشرية لنري الرعب أو الجنون أو بيتا يحاكي الطبيعة كالصدف أو البيضة أويشبه حيوان أو تحت الأرض.

684 - عمارة جروبى بالقاهرة مصر

عمارة جروبى شيدها السويسري جاك أشيل جروبى يرجع تاريخ الإنشاء إلى عام 1924 على يد المعماري جوسيي مازا وتقع في ميدان سليمان باشا الفرنساوي الذي توفي في مارس 1860 ودفن في مصر القديمة وترك شارع سليمان بباق اللوق ثم قامت ثورة يوليو عام 1952 وقررت التخلص من جميع الرموز الملكية وقامت بنقل تمثال سليمان باشا للمتحف الحربي بالقاهرة وضعت بدلًا منه تمثالا للاقتصادي المصري طلعت حرب وتم تسمية الشارع والميدان باسم ميدان طلعت حرب تبلغ مساحة الأرض المقام عليها العمارة 1445 متر مربع وهي تعد من أهم معالم وسط البلد ويحتل الدور الأرضي منها مقهى جروبي الشهير المعروف باسم لاروتوندا وافتتح عام 1925 وهي على الطراز الكلاسيكي المستحدث النيو باروك ويوجد بالدور الأرضي مطعم وصالون الشاى جروبى الشهير الذي يمثل إحدى العلامات المميزة بمنطقة وسط المدينة بالقاهرة والغريب أن معظم وحدات العمارة والتي تتكون أقل شققها من 4 غرف مؤجرة بإيجارات قديمة بأسعار زهيدة قد لا توازي قيمة كوب شاي مع قطعة جاتوه ولكن تم إغلاقه بعد ثورة يناير بفترة قصيرة نظرًا لما حدث من اضطرابات في محيطه وكان جاك جروبي مالك العقار يسكن بها حتى مجيء ثورة 1952 وتم تأميم العمارة وخروج الأجانب من مصر وتم ضمها لشركة مصر للتأمين والعمارة لم يبق منها سوى 5 شقق سكنية واستحوذت الشركة على باقي الشقق وقد أغلق أصحاب تلك الشقق أبوابها الخمسة ولم يأت ملاكها إليها منذ سنوات ويدفعون الإيجار لشركة مصر للتأمين والجدير بالذكر أن مقهى جروبي الذي افتتح عام 1892 ظلّ المكان ملاذًا للكتّاب والصحفيين والفنانين ونجوم السينما ونجوم المجتمع حتى أواخر القرن الماضي قبل أن يتدهور حال المكان وفي منتصف القرن الماضي كان الملك فاروق يزور الكافيه من وقت لآخر لذلك قرّر جروبي أن يصنع كأسًا وفنجانًا للملك فاروق مطليين بالذهب لا يُقدّما إلا للملك والغريب أن جروبي هو أول من اخترع علامة الآيس كريم الشهيرة كيمو واشترتها بعد ذلك شركة Nestle العالمية ليصبح كيمو أشهر ماركة آيس كريم في مصر وربما في الوطن العربي ولم يكن جروبي مجرد مطعم ومقهى على الطراز الفرنسي وإنما جاء كمشروع ثقافي يرسي ذوقا وتقاليد جديدة حيث أعتبر مركزًا من مراكز الحداثة فكانت تقام فيه العديد من الحفلات الراقصة ويستقدم الفرق الموسيقيّة وتعرض في حديقته الخلفيّة عددا من الأفلام السينمائيّة وكما ذكر فلقد أسسه السويسري جاكومو جروبي الذي جاء إلى مصر في ثمانينيات القرن التاسع عشر أنشأ مع ابنه مطعمًا ومتجرًا لبيع الحلوى يحملان اسمه في وسط القاهرة أحدهما بميدان طلعت حرب سليمان باشا سابقا والآخر بشارع عدلي ولقد أدخل جروبّي إلى مصر للمرة الأولى أنواعا جديدة من الشيكولاتة والعصائر المركزة والمربى والجبن وكرات مثلجة من الحليب والشيكولاتة وعصير الفواكه وأنواع جديدة من الحلوى كانت أسمائها جديدة وقتها كريم شانتي ومارون جلاسيه و جيلاتي وميل فوي وإكلير وبُول دي شوكولاه وغيرها وتم تصوير العديد من الأفلام العربية بجروبي أشهرها العتبة الخضراء ويوم من عمرى وعمارة يعقوبيان وصايع بحر ومسلسل جمهورية زفتى ولجروبي أيضاد مشاهد لا تنسى على شريط السينما وأفلام شهيرة مثل إشاعة حب لعمر الشريف وسعاد حسني وأين عمري لماجدة الصباحي و حلاق السيدات لعبد السلام النابلسي وغيرها من الأفلام التي لا تخلو من حوار يقول فيه البطل هاستناكي في جروبي الساعة خامسة أوعى ما تجيش وربما نجح جروبي لروعة المكان الذي كان يقدم فيهما الشطائر والحلوى والمشروبات وقوفًا على الطريقة الأمريكية كما لم يكتفِ جاكومو بالمحلاّت الأربعة فكان يعمل على توصيل طلبات خارجية مثل إقامة الولائم في بيوت الوزراء والكبراء ولم يرد وصف ولا تعبير أدق مما كتبه الشاعر المبدع سيد حجاب ليصف حالة الاشتياق والحنين لروايح الزمن الجميل فلا أحد ينسى روعة أداء هدى عمار وهي تغني يا روايح الزمن الجميل هفهفى وخدينا للماضي وسحره الخفي ورفرفي يا قلوبنا فوق اللي فات وبصي للي جاي وانتي بترفرفي ولقد قام شيزار وبيانكى آخر ورثة المحل عن جدهم ومؤسسه جروبى ببيع المحل إلى الشركة العربية للأغذية سنه 1981 م وقامت الشركة العربية للأغذية بالمحافظه علي طابع المحل التقليدي من حيث الشكل والمضمون ومن خارج المطعم تظهر العلامة التجارية جروبى بحروف عربية وأخرى لاتينية تجعل من يراها يدرك أنه أمام محل ذو طابع خاص وليس كباقي المحال الحديثة كما يظهر المعمار الأوروبي لنهاية القرن التاسع عشرة للعمارة التي تعلو المحل ومن الداخل لايزال يحتفظ المحل ببعض الآثاث القديم الذي يرجع لبدايات القرن العشربن ويعطي أيضاً الأثاث أنطباعاً بفترة السبعينات من القرن الماضي وعند دخولك من باب المحل تجذبك موسيقى الساكس فون لتعيش في أجواء هادئة وبخلاف ما نراه الآن في محال الوجبات السريعة من زى ذى طابع حديث للعاملين نجد أن العاملين بمحل جروبي محتفظين بملابسهم الكلاسيكية الأنيقة فيرتدوا زياً مكوناً من قميص وبنطلون وسديري وبابيون ولقد أغلق مقهى جروبي بوسط البلد أبوابه أمام الزبائن في سنه 2015 وذلك من أجل تجديده ولكن الإهمال طاله من كل اتجاه ولم يتغير به إلا جدرانه ولافتته التي حطمها الإهمال من كل اتجاه فأصبحت كالبيت المهجورويظهر مقهى جروبي الذي يطل على مشهد بانورامي جميل بميدان طلعت حرب في أسوأ حالاته حيث تحولت أركانه لبيوت عنكبوت وأغلقت أبوابه بأقفال وسلاسل وتساقطت كل الأشياء الجميلة من ديكورات شاهدة على تاريخه ويقول عم سعيد أحد سكان عمارة جروبي الكافيه أغلق منذ عامين وعندما سألنا عن السبب كان الجواب أنه نتيجة بدء بعض التجديدات والتوسيعات التي ينفذّها صاحب الكافيه الحالي إلا أن الوضع استمر في الإهمال حتي وصل لهذه الحال السيئة  وأسفل عمارة شامخة مرّ على تشييدها قرون ذات بنيان بطراز أوروبي عتيق يقع المقهى الشهير جروبي على بُعد أمتار قليلة من تمثال رجل الاقتصاد الأشهر في مصر طلعت باشا حرب مُحافظًا على اسمه الغربي وسط مكان سعى رجال ثورة يوليو جاهدين لِمحوِ كلّ ما يعود أصله إلى الأجانب الذين سكنوا مصر بالنصف الأول من القرن العشرين وبالاقتراب من مبنى المحلّ في الطابق الأرضي ستُطالعكم واجهته برسوم مُبهجة على خلفية مكعبات الفسيفساء وبمجرّد دفعكم للباب الزجاجي سترون ثلاجات مخصصة لحفظ الحلوى والشوكولا اللتين يشتهر بها جروبي ذو الأصول السويسرية ولقد ولد جاكومو جروبي أو غروبي السويسري الأصل في بلدية روفيو عام 1863  وتعلّم صناعة الحلويات من أقاربه في لوجانو ثمّ بمرسيليا وبحسب الفيلم الوثائقي رحلة نجاح جاكومو جروبي وعائلته في مصر الذي بثه التلفزيون السويسري عام 2009 فإن انتقاله إلى مصر جاء وهو في السابعة والعشرين من عمره ويقول آكيلي غروبي ابن شقيقة جاكومو في حديثه للتليفزيون السويسري إن خاله تشجّع للذهاب إلى مصر بعد سماعه للأخبار الجيدة التي كانت تصله عن مرحلة النموّ الاقتصادي وخاصةً بعد افتتاح قناة السويس فرحل إليها وانضمّ لأقاربه من عائلة جيانولا من قرية بيسوني السويسرية وتوسّع نشاط غروبي في مصر عندما اتّخذت بريطانيا قرارها بنقل قادة جيوشها في البحر المتوسط والشرقين الأوسط والأقصى إلى القاهرة بعد اندلاع الحرب العالمية الأولى فعاش غروبي أزهى عصوره وأكثرها ربحاً ويرى ماركو غروبي 31 عاماً وهو من الجيل الرابع بعائلته أن نجاح المقهى ومحلّ الحلويات الأشهر في مصر سببه أن القاهرة كانت في ذلك الوقت في قلب العالم وكان غروبي في وسط القاهرة ولا تخلو الأفلام العربية القديمة من حوار لطيف يقول فيه البطل لحبيبته هستناكِ في جروبي الساعة خمسة بتلك الجملة أكّد الكاتب الراحل مكاوي سعيد في كتابه مقتنيات وسط البلد على مدى التأثير الذي تركه جروبي على المجتمع المصري وخاصة أبناء الطبقة الأرستقراطية في أربعينيات القرن الماضي ولم تتغير مكانة جروبي بعد وفاة مؤسسه جاكومو عام 1947 وتولي ابنه آكيلي مهمة تطويره فأضحت مناضده شاهدة على اتفاقات فنية وسياسية تُبرم بين ثنايا دخان مشروباته الساخنة وحلوياته النادرة فيقول مكاوي سعيد أمّ كلثوم كانت تُفضّل تناول إفطارها في غروبي وأسمهان كانت لها منضدة مُفضّلة فيه وعيزرا وايزمان الذي صار فيما بعد رئيساً لإسرائيل كان يتناول إفطاره يومياً في غروبي طوال فترة وجوده في مصر كجنديّ يهودي في الجيش الإنكليزي ولم يكن جروبي مجرّد مقهى أو مطعم مبني على الطراز الفرنسيّ إنما كان مشروعاً ثقافياً يُرسي ذوقاً وتقاليد جديدة وفقاً للراوئي يوسف حسن يوسف الذي أكّد في روايته جروبي الصادرة عام 2013 أنه اعتُبِر مركزًاً من مراكز الحداثة والرقي في المجتمع المصري ويستطرد هنا كانت تجلس المطربة أسمهان أخت فريد الأطرش وعلى هذه المائدة كان يجلس كامل الشناوي يقرأ جرائد الصباح ويكتب الشعر ويشرب عصيره المفضل وكان الفنان أحمد رمزي يتردّد على جروبي بصفة شبه يومية مع أصدقائه وفي إحدى المرّات كان مع أحد زملائه في الدراسة وشاركهما اللقاء مخرج شابّ اسمه يوسف شاهين فحدثت الصدفة التي قدّمت للسينما العربية والعالمية نجماً شهيراً هو عمر الشريف وانتماء مقهى جروبي لمؤسسين أجانب جعله عُرضة لمناوشات وأعمال شغب من قِبَل رافضي وجود المحتلّ بمصر مُعتبرين أنّ كلّ ما يحمل عنواناً غربياً فهو تابع للدولة البريطانية المحتلّة ففي الخامس والعشرين من يناير عام 1952 قبيل اندلاع ثورة يوليو حدث ما عُرِف وقتئذ بـالسبت الأسود عندما استيقظ المصريون على حرائق شتّى تلتهم الكثير من بنايات القاهرة قدّرتها مجلة نيوز ويك بثلاثمائة متجر فضلًا عن المعالم بما في ذلك دار أوبرا القاهرة ويروي شاهد عيان لـنيوز ويك أن البعض تسلّق مقهى جروبي وخلع اللافتة ثمّ نزع الشعار الملكي Confiserie de la Maison Royale ولم تُثنِ تلك الحرائق أبناء جروبي عن إكمال المسيرة خِشية تشريد 1800 عامل بحسب ماركو غروبي في تصريحه لمجلة نيوز ويك وضخوا مبلغًا ضخمًا لترميمه وبعد جلاء المحتلّ البريطاني على يد الضباط الأحرار نجا جروبي من التأميم بأعجوبة وظلّ ملكًا لأصحابه لأنهم كانوا يُلبّون حاجات الملوك والرؤساء وفق تصريح فرانكو غروبي 56 عاماً لـنيوز ويك وفي عام 1960 كان مقهى جروبي على موعدٍ بحادث جلل اشتهر وقتها بـعملية سمير الإسكندراني الذي أسقط شبكة جواسيس تعمل لصالح الموساد الإسرائيلي كان أحدهم يعمل بالمقهى ويُدعى جورج استاماتيو بحسب رواية الأديب يوسف حسن يوسف وفي مدخل المحلّ حالياً بمجرّد فتح بابه العتيق سيجد الداخلون تحت أقدامهم جُملة من كلمتين بارزتين قفير النحل التي قد يحسبها الناظرون إليها للوهلة الأولى تميمة حظّ لكن المعنى المراد منها هو خلية النحل التي تعمل بكفاءة منقطعة النظيرولا تكِلّ رغم المجهود ولا تملّ رغم تكرار الفعل ذاته يومياً وفق ما أشار إليه أحمد يسري المدير الحالي لمقهى جروبي في حديثه لـرصيف 22 ولكن خلية النحل تلك لم تعٌد على حالها الآن فعدد الزبائن لا يكاد يتخطى أصابع اليد الواحدة لأسباب أوضحها أمين سعيد أقدم عُمّال جروبي قائلًا في حديثه لـرصيف 22 الزبائن حاليًا لا ينتمون للطبقة الأرستقراطية كما في السابق وهي طبقة اختفت من مصر بالأساس وحلّ مكانها الأثرياء الهاربون من زحام وسط البلد ولا تعنيهم عراقة المكان مُضيفًا هناك من يخشى دخول جروبي على خلفية معرفته بتاريخه الأرستقراطي ويقينه بأنه لا يقدر على دفع فاتورة مشروبات المقهى إلا الأثرياء وتَبدُّل حال جروبي ليس وليد اللحظة حيث يرى مكاوي سعيد في كتابه مقتنيات وسط البلد أن تدهور حالته الاقتصادية عام 1981 أثّر بالسلب على المقهى العريق فاضطرّوا لبيعه إلى عبد العظيم لقمة أحد قيادات الإخوان المسلمين وفق رواية جروبي ليوسف حسن يوسف ولعل آخر خبر ذُكِر فيه اسم عائلة جروبي السويسرية كان في مارس من عام 2009 حين عرض ورثة المقهى 160 قطعة من مقتنياتها الفنية بمتحف أنتيكوم موزيوم للآثار الواقع في مدينة بازل السويسرية وأقيم المعرض تحت عنوان أطايب من القاهرة.
































ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق