أنت مدعو للتجول معي في مدونة عمارة الأرض للذهاب في المكان من شمال الأرض لجنوبها ومن شرقها لغربها وفي الزمان من عصور سحيقة في القدم مرورا بعصور الفراعنة وشعب المايا و الصينيين و اليونان و الرومان ولعصور الخلافة الإسلامية ومن عصور النهضة الي العصر الحديث لترى طرائف غرائب و من أصغر بيت في العالم إلى أكبر ما أبدعه الانسان ومن منزل يسكنه الإنسان إلى أعلي ناطحة سحاب في العالم لنغوص في عمق النفس البشرية لنري الرعب أو الجنون أو بيتا يحاكي الطبيعة كالصدف أو البيضة أويشبه حيوان أو تحت الأرض.

سيدنا آدم وعماره الأرض "مقدمه"

أدم عليه السلام - عماره الأرض
المهمة الرئيسية لآدم عليه السلام في الأرض بعد عبادة الله تعالي كانت عمارة الأرض بعد أن أفسد فيها الجن الذين كانوا يسكنون الأرض قبل آدم عليه السلام» ولذلك لما أخبرت الملائكة بأمر آدم خشيت أن يكون فعله كفعل الجن وهذا ما نقله لنا القرآن في قوله تعالي:"وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم مالا تعلمون"[البقرة: 30]ومن صور إعمار الأرض الإكثار من الذرية فمن المستحيل أن يعيش الإنسان وحده في هذا الكون وعلي هذه الأرض حتي لو كان في الجنة فقد استوحش آدم أن يعيش وحده في الجنة فخلق الله عز وجل له حواء لمؤانسته في الجنة ولما هبطا إلي الأرض علم جبريل آدم كيف يأتي حواء لتكون الذرية التي يعمر بها الأرض وقد مرت ذرية آدم من ناحية الإيجاد بمرحلتين:
المرحله الأولي:الإيجاد جملة واحدة للذرية كلها وهي في عالم الذر من ظهر أبوالبشر آدم عليه السلام وهذا ما أشار إليه القرآن في قوله تعالي:"وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم علي أنفسهم ألست بربكم قالوا بلي"[الأعراف: 172]وروي الإمام مالك بن أنس في الموطأ عن عمر بن الخطاب في تفسير هذه الآية قال:سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يُسأل عنها فقال:"إن الله خلق آدم عليه السلام ثم مسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرية قال:خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية قال:خلقت هؤلاء للنار وبعمل أهل النار يعملون"وتسمي هذه الآية بآية الميثاق وفي تفسيرها نقل ابن كثير عن أبي بن كعب قوله:"فجمعهم له يومئذ أي لآدم جميعاً ما هو كائن منه إلي يوم القيامة فخلقهم ثم صورهم ثم استنطقهم فتكلموا وأخذ عليهم العهد والميثاق وأشهد عليهم أنفسهم "ألست بربكم قالوا بلي"قال:فإني أشهد عليكم السموات السبع والأراضين السبع وأشهد عليكم أباكم آدم أن لا تقولوا يوم القيامة:لم نعلم بهذا اعلموا أنه لا إله غيري ولا رب غيري ولا تشركوا بي شيئاً وإني سأرسل إليكم رسلاً ينذرونكم عهدي وميثاقي وأنزل عليكم كتابي قالوا:نشهد أنك ربنا وإلهنا لا رب غيرك ولا إله لنا غيرك فأقروا يومئذ بالطاعة ورفع أباهم آدم فنظر إليهم فرأي فيهم الغني والفقير وحسن الصورة ودون ذلك فقال:يارب لو سويت بين عبادك؟ فقال:إني أحببت أن أُشكر ورأي فيهم الأنبياء مثل السرج عليهم النور وخصوا بميثاق آخر من الرسالة والنبوة قال فيه تعالي:"وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسي وعيسي ابن مريم وأخذنا منهم ميثاقاً غليظاً"[الأحزاب:7]وهذه المرحلة يمكن تسميتها بإيجاد الفطرة التي قال عنها الله تعالي:"فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله"[الروم:30]ويفسرها قول الرسول صلي الله عليه وسلم والحديث في الصحيحين:"كل مولود يولد علي الفطرة
وأما المرحلة الثانية:الإيجاد تدريجياً بعد اجتماع الذكر والأنثي من ذرية آدم عليه السلام وقد بدأ ذلك بآدم وحواء عليهما السلام وهو ما أشار إليه الله عز وجل في قوله: "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير"[الحجر:13]وقد اختلف في آدم وحواء هل ولد لهما بالجنة شيء من الأولاد؟ فقيل:لم يولد لهما إلا في الأرض وقيل:بل ولد لهما فيها فكان قابيل وأخته ممن ولد بها والأرجح أنه لم يولد لهما في الجنة بل كان ذلك في الأرض من أجل عمارتها والله أعلم وقد ولد لآدم عليه السلام وحواء أربعين ولداً جاءوا في عشرين بطناً أي توأم في كل بطن أو حمل ذكر وأنثي وتوالدوا وحتي كثروا قال تعالي:"يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء"[النساء:1]وقد كان من شرعة آدم عليه السلام أن يزوج كل ابن أخت أخيه التي ولدت معه ويزوج الآخر بالأخري وهلم ولم يكن تحل أخت لأخيها الذي ولدت معه وصدق الله إذ يقول:" لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً "[المائدة:48]والضرورات تبيح المحظورات وعندما حاول أحد ابني آدم الخروج علي هذا التشريع ليتزوج أخته التي ولدت معه حدث ما حدث في قصة ابني آدم:قابيل وهابيل كما قصها علينا ربنا تبارك وتعالي في سورة المائدة قال تعالي:"واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قرباناً فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين فبعث الله غراباً يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوأة أخيه قال يا ويلتي أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي فأصبح من النادمين"[الآيات 27 31]نقل ابن كثير أن آدم كان يزوج ذكر كل بطن بأنثي الآخر وأن هابيل أراد ن يتزوج بأخت قابيل وكان أكبر من هابيل وأخت هابيل أحسن فأراد قابيل أن يستأثر بها علي أخيه وأمره آدم عليه السلام أن يزوجه إياها فأبي فأمرهما أن يقربا قرباناً وذهب آدم ليحج إلي مكة واستحفظ السموات علي بنيه فأبين فتقبل قابيل بحفظ ذلك فلما ذهب قرَّبا قربانهما فقرب هابيل خدعة سمينة وكان صاحب غنم وقرب قابيل حزمة من زرع أو حطب حيث كان يحرث ويزرع فنزلت نار فأكلت قربان هابيل وتركت قربان قابيل فغضب وقال:لأقتلنك حتي لا تنكح أختي فقال له هابيل إنما يتقبل الله من المتقين وقد كانت هذه أول جريمة قتل تقع علي ظهر الأرض ومن ذرية آدم عليه السلام ولذلك روي الإمام أحمد في مسنده عن ابن مسعود قال:قال رسول الله صلي الله عليه وسلم :"ولا تقتل نفس ظلماً إلا كان لابن آدم الأول كفل من دمها لأنه كان أول من سنَّ القتل"ومن صور عمارة آدم في الأرض ما ذكره ابن جرير عن ابن عباس:أن الله قال:يا آدم إن لي حرماً بحيال عرشي فانطلق فابن لي فيه بيتاً؟ فطف به كما تطوف ملائكتي بعرشي وأرسل الله له ملكاً فعرَّفه مكانه وعلمه المناسك وروي ابن كثير أيضاً عن ابن عباس:إن أول طعام أكله آدم في الأرض أن جاءه جبريل بسبع حبات من حنطة فقال:ما هذا قال:هذا من الشجرة التي نهيت عنها فأكلت منها فقال:وما أصنع بهذا؟ قال أبذره في الأرض فبذره وكان كل حبة منها زنتها أزيد من مائة ألف فنبتت فحصده ثم درسه ثم ذراه ثم طحنه ثم عجنه ثم خبزه فأكله بعد جهد عظيم وتعب وذلك قوله تعالي:"فلا يخرجنكما من الجنة فتشقي"[طه:117]وقد كان أول كسوة آدم وحواء من شعر الضأن:جزاه ثم غزلاه فنسج آدم له جبة ولحواء درعاً وخماراً وهكذا بدأ آدم في عمارة الأرض ببناء بيت الله عز وجل ثم بالفلاحة والزراعة في الأرض ثم بصناعة الملابس والكساء وقد عمَّر آدم في الأرض تسعمائة وثلاثين عاماً أو ألف سنة علي الأرجح وروي ابن كثير عن ابن إسحاق قال:ولما حضرت آدم الوفاة عهد إلي ابنه شيث وعلمه ساعات الليل والنهار وعلمه عبادات تلك الساعات وأعلمه بوقوع الطوفان بعد ذلك ولم توفي آدم عليه السلام وكان ذلك يوم الجمعة جاءته الملائكة بحنوط وكفن من الجنة وعزوا فيه ابنه ووصيه شيئاً فقبضوه وغسلوه وكفنوه وحنطوه وحفروا له ولحدوه وصلوا عليه ثم أدخلوه في قبره ثم حثوا عليه ثم قالوا:يا بني آدم هذه سنتكم