أنت مدعو للتجول معي في مدونة عمارة الأرض للذهاب في المكان من شمال الأرض لجنوبها ومن شرقها لغربها وفي الزمان من عصور سحيقة في القدم مرورا بعصور الفراعنة وشعب المايا و الصينيين و اليونان و الرومان ولعصور الخلافة الإسلامية ومن عصور النهضة الي العصر الحديث لترى طرائف غرائب و من أصغر بيت في العالم إلى أكبر ما أبدعه الانسان ومن منزل يسكنه الإنسان إلى أعلي ناطحة سحاب في العالم لنغوص في عمق النفس البشرية لنري الرعب أو الجنون أو بيتا يحاكي الطبيعة كالصدف أو البيضة أويشبه حيوان أو تحت الأرض.

119 - جامع السلطان حسن


مسجد ومدرسة السلطان حسن بالقاهرة يعد المسجد أكثر آثار القاهرة تناسقا وانسجاما ويمثل مرحلة نضوج العمارة المملوكيّة ويتكون البناء من مسجد ومدرسة لكل مذهب من المذاهب الأربعة الشافعي والحنفي والمالكي والحنبلي وأنشأ المسجد السلطان حسن بن الناصر محمد بن قلاوون بدأ البناء في سنة 1356 ميلادية واكتمل بعدها بسبع سنوات في 1363 قتل السلطان قبل أنتهاء البناء ولم يعثر على جثمانه ولم يدفن في الضريح الذي بناه في المسجد خصيصا بل دفن فيه ولداه فيما بعد مسجد ومدرسة السلطان حسن 757-764 هجرية (1356-1363م) أنشأ هذا المسجد العظيم السلطان حسن بن الناصر محمد قلاوون ولى الحكم سنة 748 هجرية (1347م) بعد أخيه الملك المظفر حاجى وعمره ثلاث عشرة سنة ولم يكن له في أمر الملك شيئا لصغر سنه بل كان الأمر بيد أمرائه وما لبث أن بلغ رشده فصفت له الدنيا واستبد بالملك إلى أن اعتقل سنة 752 هجرية (1351م) وظل في معتقله مشتغلا بالعلم حتى أعيد إلى السلطنة مرة أخرى في سنة 755 هجرية (1354م) وظل متربعا في دست الحكم إلى أن قتل سنة 762 هجرية (1361م) وكان البدء في بناء هذا المسجد سنة 757 هجرية (1356م) واستمر العمل فيه ثلاث سنوات بغير انقطاع ومات السلطان قبل أن يتم بناءه فأكمله من بعده أحد أمرائه بشير الجمدار سنة 764 هجرية (1363م) ويعتبر هذا المسجد بحق أعظم المساجد المملوكية وأجلها شأنا فقد جمع بين ضخامة البناء وجلال الهندسة وتوفرت فيه دقة الصناعة وتنوع الزخرف كما تجمعت فيه شتى الفنون والصناعات فنرى دقة الحفر في الحجر ممثلة في زخارف المدخل ومقرنصاته العجيبة وبراعة صناعة الرخام ممثلة في وزرتى القبة وإيوان القبلة ومحرابيهما الرخاميين والمنبر ودكة المبلغ وكسوة مداخل المدارس الأربعة المشرفة على الصحن ومزررات أعتاب أبوابها كما نشاهد دقة صناعة النجارة العربية وتطعيمها مجسمة في كرسى السورة الموجود بالقبة أما باب المسجد النحاسى المركب الآن على باب جامع المؤيد فيعتبر مثلا رائعا لأجمل الأبواب المكسوة بالنحاس المشغول على هيئة أشكال هندسية تحصر بينها حشوات محفورة ومفرغة بزخارف دقيقة وما يقال عن هذا الباب يقال عن باب المنبر وهناك على أحد مدخلى القبة بقى باب مصفح بالنحاس كفتت حشواته بالذهب والفضة على أشكال وهيئات زخرفية جميلة جديرة بإقناعنا بعظيم ما يحويه هذا المسجد من روائع الفن وما أنفق في سبيله من أموال طائلة وقد ازدحمت روائع الفن في هذا المسجد فاشتملت على كل ما فيه لا فرق في ذلك بين الثريات النحاسية والمشكاوات الزجاجية وقد احتفظت دار الآثار العربية بالقاهرة بالكثير من هذه التحف النادرة وهى تعتبر من أدق وأجمل ما صنع في هذا العصر وأنشئ هذا المسجد على نظام المدارس ذات التخطيط المتعامد إذ يستطرق الإنسان من المدخل الرئيس إلى دركاة ثم ينثنى يسارا إلى طرقة توصل إلى صحن مكشوف مساحته 32 في 34.60 متر وتشرف عليه أربع إيوانات متقابلة ومعقودة أكبرها وأهمها إيوان القبلة تحصر بينها أربع مدارس لتعليم المذاهب الأربعة الإسلامية كتب على كل من أبوابها أنه أمر بإنشائها السلطان الشهيد المرحوم الملك الناصر حسن بن الملك الناصر محمد بن قلاوون في شهور سنة 764 هجرية ويتكون كل منها من صحن مكشوف وإيوان القبلة ويحيط بالصحن مساكن للطلبة مكونة من عدة طبقات بارتفاع المسجد ويتوسط صحن المسجد قبة معقودة على مكان الوضوء تحملها ثمانية أعمدة رخامية كتب بدائرها آيات قرآنية في نهايتها تاريخ إنشائها 766 هجرية وتحيط بدائر إيوان القبلة وزرة رخامية يتوسطها المحراب وعلى يمينه المنبر الرخامى الذى يعد من المنابر الرخامية القليلة التي نشاهدها في بعض المساجد ويعلو الوزرة الرخامية طراز من الجص محفور به سورة الفتح بالخط الكوفى المزخرف بلغ الذروة في الجمال والإتقان وتقوم القبة خلف جدار المحراب بعد أن كانت تشغل أحد الأركان في المساجد الأخرى وهذا الوضع ظهر في هذا المسجد لأول مرة ويتوصل إليها من بابين على يمين ويسار المحراب بقى الأيمن منها بمصراعيه النحاسيين المكفتين بالذهب والفضة بينما فقد مصراعا الأيسر وتبلغ مساحة القبة 21 في 21 مترا وارتفاعها 48 مترا ويرجع تاريخ إنشائها إلى القرن السابع عشر حيث حلت محل القبة القديمة وبأركانها مقرنصات ضخمة من الخشب نقش أحدهما ليمثل ما كانت عليه باقى الأركان وتكسو جدران القبة بارتفاع ثمانية أمتار وزرة رخامية يعلوها طراز خشبى كبير مكتوب في نهايته تاريخ الفراغ من بناء القبة القديمة سنة 764 هجرية ولهذا المسجد وجهتان هامتان أولاهما الوجهة العمومية وطولها 150 مترا تحليها صفف مستطيلة تنتهى بمقرنصات ومفتوح فيها شبابيك لمساكن الطلبة وتنتهى من أعلى كما تنتهى الوجهة الشرقية والمدخل بكرنيش ضخم من المقرنص المتعدد الحطات والذى يبلغ بروزة حوالي 1.50 متر وكان يعلوه شرفات مورقة أزيلت عن الواجهة العمومية والمدخل في السنين الأخيرة للتخفيف عنه وبالطرف الغربي لهذه الوجهة يقوم المدخل العظيم الذى يبلغ ارتفاعه 38 مترا والذى يمتاز بضخامه وزخارفه المتنوعة المحفورة في الحجر أو الملبسة بالرخام وبمقرنصاته الخلابة التي تغطى حجر الباب أما الواجهة الثانية فهى المشرفة على ميدان صلاح الدين وتتوسطها القبة تقوم على يمينها المنارة الكبيرة التي يبلغ ارتفاعها 84 مترا تقريبا وعلى يسارها منارة صغيرة أقل من الأولى ارتفاعا ويرجع تاريخ إنشائها إلى سنة 1070 هجرية 60م والجدير بالذكر أنه لما زار الرئيس الأمريكي أوباما مصر وتم اختيار أحد المعالم الإسلامية على اعتبار أنه سيوجه خطابًا إلى العالم الإسلامي وكان من الأماكن المرشحة الجامع الأزهر والقلعة وجامع محمد علي لكن الأمر استقر على زيارة جامع ومدرسة السلطان حسن بميدان القلعة هذا الاختيار كان مُوَفَّقًا لاعتبارات كثيرة لهذا الجامع فهناك مقولة نتداولها نحن المختصين في مجال الآثار الإسلامية تقول إذا كان لمصر الفرعونية أن تفخَر بأهراماتها فإن لمصر الإسلامية أن تتيه عجبًا بجامع السلطان حسن ومدرسته اللذين لا يضاهيهما أي أثر إسلامي آخر وإذا كانت الأهرامات فخر الحضارة الفرعونية فإن مدرسة السلطان حسن هي فخر الحضارة الإسلامية وهذا الكلام ليس تحيُّزًا ولكنه حقيقة أقرَّها المؤرِّخون والمعماريون فقد حوى الجامع كل غريب وجديد وفريد في مجال العمارة كما تمثلت فيه كل مقومات المدرسة الإسلامية من الناحية الدينية والمعمارية على السواء فالجامع بشهادة المؤرخين لم يُبْنَ في الإسلام نظيره ولا حاكاه معمار في حسن عمله فهو أضخم مساجد العالم الإسلامي عمارةً وأعلاها بنيانًا وأكثرها فخامةً وأحسنها شكلاً وأجمعها لمحاسن العمارة وأدلُّها على عظم الهمَّة وغاية العناية التي بُذلت في إنشائه وهو ما يؤكده المؤرِّخ المصري المقريزي فعند وصفه للجامع في كتابه الخطط ذكر أنه لا يُعرَف في بلاد الإسلام معبدٌ (مسجد) من معابد المسلمين يحاكي هذا الجامع وذكر المقريزي أن في هذا الجامع عجائبَ من البنيان منها أن مساحة إيوانه الكبير 60 ذراعًا في مثلها وهو بذلك أكبر من إيوان كسرى بالمدائن من العراق بخمسة أذرع وبالجامع القبة العظيمة التي لم يُبنَ بديار مصر والشام والعراق والمغرب واليمن مثلها وبه أيضًا المنبر الرخامي الذي لا نظير له.