أنت مدعو للتجول معي في مدونة عمارة الأرض للذهاب في المكان من شمال الأرض لجنوبها ومن شرقها لغربها وفي الزمان من عصور سحيقة في القدم مرورا بعصور الفراعنة وشعب المايا و الصينيين و اليونان و الرومان ولعصور الخلافة الإسلامية ومن عصور النهضة الي العصر الحديث لترى طرائف غرائب و من أصغر بيت في العالم إلى أكبر ما أبدعه الانسان ومن منزل يسكنه الإنسان إلى أعلي ناطحة سحاب في العالم لنغوص في عمق النفس البشرية لنري الرعب أو الجنون أو بيتا يحاكي الطبيعة كالصدف أو البيضة أويشبه حيوان أو تحت الأرض.

673 - مسجد باصونة بمحافظة سوهاج بمصر

من بين 27 مسجدا من كل دول العالم في القائمة القصيرة للدورة الثالثة من جائزة عبداللطيف الفوزان لعمارة المساجد يظهر اسم أحد المساجد في قرية صغيرة تدعى باصونة التابعة لمركز المراغة بمحافظة سوهاج وحيدًا من بين جميع مساجد مصر وضمت القائمة مسجد الملك الحسن بن طلال في العاصمة الأردنية عمان وقاعة الصلاة في الخرطوم ومسجد توسيالي وهران في الجزائر ومن السعودية تم اختيار مسجد مركز الملك عبد الله المالي ومشاريع مركز التراث العمراني الوطني والمسجد موجود بقرية باصونة التابعة لمركز مراغة بمحافظة سوهاج وصاحب فكرته والمنفذ له المهندس المعماري وليد عرفة هو مؤسس ومدير دار عرفة للهندسة المعمارية بالقاهرة حصل على درجة البكالوريوس في الهندسة المعمارية والتصميم الحضري والتخطيط من كلية الهندسة جامعة عين شمس عام 2001 وانضم للممارسة المعمارية في لوس أنجلوس باستوديو نجا للعمارة وشارك في عدد من المشاريع مثل مسابقة مركز التجارة العالمي التذكاري في مانهاتن وجزر Oqyana من صنع الإنسان في دبي وNew Masterplan لهضبة الجيزة الأهرامات في مصر عام 2006 والذي عاش في بريطانيا لفترة طويلة وبعدها عاد إلى قريته وبنى التحفة المعمارية الفريدة التي تجمع ما بين تراث الماضي وأصالة الحاضر ورؤية المستقبل وأوضح المهندس المعماري وليد عرفة أن مساحة المسجد 450 مترًا وتحده المقابر من ناحية ومن أخرى بيوت الأهالي وتم وضع دورات المياه في الطابق الأرضي وخصص مكان للوضوء بالأعلى والجدير بالذكر أن جائزة عبد اللطيف الفوزان لعمارة المساجد تأسست عام 2011 وتعني بالجوانب العمرانية والمعمارية والتقنية للمسجد وتمنح للمكتب الهندسي الذي صمم المشروع الفائز على أن توضع المساجد المرشحة في كتاب يصدر عن الجائزة باللغتين العربية والإنجليزية في إطار ما تهدف إليه الجائزة من الاحتفاء بعمارة المساجد وأهميتها في القرن الحادي والعشرين وتقدم الجائزة كل ثلاثة أعوام وهي مقسمة إلى ثلاث فئات الأولى للمساجد المركزية ذات التأثير والحضور على المستوى الوطني في كل قُطر في العالم والثانية لمساجد الجمع أما الفئة الثالثة خصصت لمساجد الأحياء بالإضافة إلى جوائز تُمنح للابتكارات في مجال التقنية والأفكار التي يمكنها المساهمة في تطوير عمارة المساجد وتم ترشيح مسجد باصونة تلك القرية الصغيره في صعيد مصر من بين 27 مسجدا لتلك الجائزه وتحضرني هنا ما فعله المعماري فرانك جيري في تسعينيات القرن الماضي داخل مدينة اسبانية صغيرة تسمى بلباو خاض المعماري الكندي الأمريكي فرانك جيري تحديا كبيرًا كيف يُغير مصير تلك المنطقة في إقليم الباسك التي لا يسمع أحد عنها شيئًا أقام جيري متحف جوجنهايم الشهير بتصميم أحدث ثورة في عالم البناء تبدل حال المدينة بوجود الصرح المعماري وأصبحت قبلة للسياحة في إسبانيا ويبلغ المعماري نحو 90 عامًا ولازال ما فعله مؤثرا يدرسه أجيال من المعماريين امتد تأثير بلباو لأبعد من حدود نهر نيرفيون الواقع عليه المبنى لم يغادر ذهن المعماري المصري وليد عرفة تأثير بلباو منذ ذهب إلى باصونة عام 2015 من أجل إعادة بناء المسجد الرئيس في القرية التابعة لمركز المراغة شمال سوهاج تساءل كيف يسخر علمه ومهنته لتنفيذ بناء يخدم احتياجات أهل المكان وفي الوقت ذاته يمنحهم التأثير الأصيل من علم العمارة من ترك البصمة في حياتهم ومنذ الثامن والعشرين من يناير 2019 أصبح اسم باصونة ضمن 27 مكانًا على مستوى العالم شملتهم قائمة جائزة عبد اللطيف الفوزان لعمارة المساجد بات المسجد المقام في القرية الواقعة أقصى الصعيد تصنف المحافظة التابعة لها بأنها إحدى أفقر محافظات مصر مسار اهتمام واحتفاء المتخصصين تلك المرة الأولى التي يترشح فيها مسجد مصري ضمن القائمة القصيرة لجائزة عبد اللطيف الفوزان في دورتها الثالثة منذ انطلاقها عام 2011 بعدما فتحت المجال أمام كل دول العام كذلك هو أول تنفيذ رسمي للمعماري عرفة لبناء مسجد لكن الطريق كأنما كان يقوده لهذه الخطوة قرية بعيدة عن الأنظار يتوسطها مسجد مقام منذ مئات السنين أعاد أهالي باصونة بناءه قبل 70 عامًا ومؤخرًا أكل السيل سقفه الطيني وبات قيد الانهيار أراد الأهالي إنقاذ قبلتهم الرئيسية المسجد بالنسبة لهم هو الأساس اللي بيصلوا فيه وتطلع منه الجنائز لأنه جنبه المقابر ولجأ أهل باصونة إلى ذوي الشأن تحدثوا إلى الشيخ أسامة الأزهري إمام وخطيب مسجد الفتاح العليم الذي تعود أصوله إلى القرية وتربطه علاقة صداقة قوية بـعرفة منذ عام 2003 وكان عرفة في العاصمة البريطانية لندن يستكمل إقامته الممتدة لنحو عشر سنوات لم ينقطع فيها عن مصر يعمل على الانتهاء من دبلوم الدراسات العليا عن المساجد التاريخية في إنجلترا توصل إلى أن المسلمين هناك أثروا في المساجد دون التشرب بتراث المكان فأقاموا تراث للمسلمين في بريطانيا وليس تراثا بريطانيا يمكن أن يقدره ويدافع عنه غير المسلمين واستشهد بدخول الإسلام في مصر طلعت مباني إسلامية جدًا لكن مصرية جدا وكذلك الحال في كل البلاد وهو ما لم يلتفت له الكثير في العصر الحديث في ذلك الوقت أرسل الأزهري صور المسجد إلى عرفة أخبره الأخير أن عليه المعاينة على الأرض لإبداء الرأي لتبدأ رحلة التطبيق العملي لدراسة عرفة في بريطانيا دون تدبير منه وفي الثامن من شهر يونيو 2014 عاد عرفة إلى مصر في مهمة لزم ألا تتجاوز ثلاثة أيام حتى يرجع إلى لندن لالتزامات الدراسة من القاهرة لمطار الأقصر وبعدين عربية لسوهاج وصلت 10 الصبح ورجعت تاني القاهرة الساعة 11 بليل قعدت يوم وأخدت طيارة للندن عشان ألحق محاضراتي يستعيد عرفة أول مرة عرفت فيها خطاه القرية التي لم يكن يسمع عنها رغم أصوله وإقامته فترة في سوهاج كانت الزيارة الأولى معاينة تقنية لتحديد الضرر الإنشائي واتخاذ قرار هل ينفع يتحافظ على المبنى جاءت الإجابة بالنفي في تقرير مدروس كتبه عرفة وأرسله من لندن إلى الأزهري يخبره أن البناء لا قيمة معمارية أو تاريخية له وأن تكلفة الترميم أكبر بكثير من إقامة مسجدًا جديدًا الترميم مش حل جذري لأن الصعيد مبيمطرش لكن لما بتنزل مطرة بتبقى سيل وده اللي وقع السقف فالأفضل حل الموضوع من أوله وفي نهاية أكتوبر 2014 وضع عرفة معالم تصميم مسجد باصونة الجديد يبتسم صاحب الأربعين عامًا بينما تذكر درسًا للقراءة في المرحلة الابتدائية عن طفلة فقيرة قررت معلمتها أن تصنع لها ثوبا أزرقًا للتبدل حياة تلك الصغيرة رغم أن واقعها لم يتغير حضر المعنى في نفس عرفة قرر أن يكون ذلك المسجد هو الثوب الأزرق للقرية لكن كيف يعالج المشاكل القائمة كنا بنعدي على الحمامات عشان ندخل الجامع ولما نقف نستقبل القبلة اللي ورا حائط القبلة كانت الحمامات وده شيء سيء جدا فضلا عن وجود مياه جوفية تهدد سلامة البناء ويؤمن عرفة أن العمارة الناجحة هي التي تجاري الطبيعة وتسير في الكون وتردد التسبيحة حال كافة المخلوقات لذلك كان التحدي إزاي تعمل مبنى لا يعاكس الطبيعة و450 مترًا هي مساحة المسجد التزم المعماري بالقبلة ثم حرص ألا يتعدى تلك الأمتار إذ تحده المقابر من ناحية ومن أخرى بيوت الأهالي وضع دورات المياه في الطابق الأرضي وخصص مكان للوضوء بالأعلى ويقول عرفة إنه اعتمد على فكرة إنشائية تمنى تنفيذها نتحول من استخدم المسقط المربع للمسقط الدائري بتاع القبة وده اسمه مسقط متكرر 108 بيسمح بدخول الهواء من فوق ويمنع الشمس وهو ما ظهر في القبة المميزة للمسجد البالغ مساحتها 6 أمتارومن طابق واحد إلى ثلاثة بدروم وأرضي وميزانين القاعة الرئيسية بمساحة 160 متر راعى فيها عرفة استغلال المساحات فصممها لتكون مطوعة للتقسيم إلى 9 أجزاء أو غرف على أقصى تقدير وذلك بالتحكم في الإضاءة ووضع حواجز متحركة كحال شبيه بالمسجد النبوي مما يتيح الانتفاع بهذه المساحة في غير أوقات الصلاة وزيادة أعداد المصلين من أجل إقامة أنشطة لخدمة المجتمع حال محو الأمية وتحفيظ القرآن وربما استقبلت قوافل طبيبة تحضر القرية ولا تجد مكان لها سوى الطرقات ويقول المعماري عرفة فهمي للعمارة الإسلامية هو أن أي حاجة لازم يكون فيها ذكر الله لازم تكون بتفكرك بربنا معندناش حاجة اسمها مباني دنيوية أو دينية فيما يوضح لماذا خلا المسجد من النوافذ المعتادة إلا واحدة في مستوى أفقي يسار التوجه إلى القبلة تطل تلك النافذة على المقابر فدي إشارة رمزية لما الإمام يقف ويقول صلوا صلاة مودع وتقف تستقبل القبلة وشمالك المقابر اللي في أسلافك أما استبدال النوافذ بفتحات علوية يقلل دخول الهواء الملوث بفعل السيارات والماشية وأما النافذة المفتوحة فلا ضرر منها مكانها بعيد عن ذلك يرى عرفة أن الجانب الفني والدراسات البيئية ليست فقط بغرض تقليل تفاصيل كتكلفة الإضاءة لكن لإيجاد السبل المتماشية مع الطبيعة ولم يجلس المعماري في برج عاجي ينفذ التصميم خاض جولات متحدثًا لأهالي باصونة استمع لرغبتهم في وجود مأذنة إذ تخلو القرية من المآذن وكذلك مكان مخصص للسيدات ورغم الخلاف على الأخير لكن عرفة راعى ما قد يحتكم له البعض من عادات وتقاليد وسخر الهندسة لتحقيق الهدف وللمسجد الجديد مدخلان أحدهما يطل على الشارع الرئيسي وآخر بين البيوت يسميه أهل الصعيد راحلة يكون سبيلاً مؤنسًا لأهل المكان خاصة النساء وفي الطابق الأول مكان السيدات فيما لا يُمنع صلاتهن بالطوابق السفلية إن رغبوا ورافق تأثير بلباو مشروع المهندس المعماري بداية من المواد المستخدمة يقول عرفة إنه اعتمد على طوب محلي في البناء طوبة مصرية رمل خفيف في مصنعين بينتجوها وليس الطوب الأحمر لما فيه من مزايا تتعلق بطواعيتها للتشكيل والعزل الصوتي والحراري ومقاومتها للحريق فيما استخدم للشكل الخارجي المتماهي مع لون البيوت المجاورة حجر الهشمة وهو رملي جيري يتحمل الأتربة وأشعة الشمس وذلك يلائم طبيعة المكان شديد الحرارة.














































هناك 7 تعليقات: