أنت مدعو للتجول معي في مدونة عمارة الأرض للذهاب في المكان من شمال الأرض لجنوبها ومن شرقها لغربها وفي الزمان من عصور سحيقة في القدم مرورا بعصور الفراعنة وشعب المايا و الصينيين و اليونان و الرومان ولعصور الخلافة الإسلامية ومن عصور النهضة الي العصر الحديث لترى طرائف غرائب و من أصغر بيت في العالم إلى أكبر ما أبدعه الانسان ومن منزل يسكنه الإنسان إلى أعلي ناطحة سحاب في العالم لنغوص في عمق النفس البشرية لنري الرعب أو الجنون أو بيتا يحاكي الطبيعة كالصدف أو البيضة أويشبه حيوان أو تحت الأرض.

29 - مسجد أحمد بن طولون

جامع أحمد بن طولون أو جامع الميدان ثالث جامع أنشئ بمدينة مصر بعد جامع عمرو بن العاص وجامع العسكر وأكبرها مساحة شيّده الأمير أحمد بن طولون مؤسس الدولة الطولونية الذي ولد في بغداد عام 220 هـ 835م ونشأ في مدينة سامراء بالعراق وأوفده الخليفة العباسي على رأس جيش إلى مصر لتوطيد أوضاعها ودخل مصر عام 254هـ 868م وعمره 34 عاماً وبعد خمس سنوات من دخوله مصر عهد إليه الخليفة المعتمد بأمر الخراج على مصر والولاية على الثغور الشامية فاستقل بمصر وأعلن قيام الدولة الطولونية وأنشأ مدينة القطائع شمال الفسطاط، وأقام في المدينة قصراً وميداناً للرياضة وملعباً للصولجان ومسجداً سميّ باسمه أشهر ما تبقى من الدولة الطولونية وأنشأ ابن طولون مسجده ليكون مسجداً جامعاً للاجتماع بالمسلمين وقد تأثر بالأساليب المعمارية العراقية ونقلها إلى مصر وظهرت تلك المؤثرات من ناحية التصميم والتخطيط والزخرفة ويوجد بالرواق الشرقي جزء من لوحة رخامية تضمنت اسم المنشئ وتاريخ إنشاء المسجد مكتوبة بالخط الكوفي ويتكون المسجد من صحن مربع في الوسط تحيط به أربعة أروقة أكبرها رواق القبلة ويحيط بالمسجد من الخارج زيادات من ثلاث جهات عدا حائط القبلة وقد شُيّد المسجد بالطوب الأحمر وتغطيه طبقة سميكة من الملاط تعلوها طبقة أخرى بيضاء من الجص بها زخارف جميلة محفورة وتوجد في المسجد زخارف تماثل نظيراتها في مدينة سامراء موطن أحمد بن طولون الأصلي والنوافذ ذات فتحات معقودة وبها زخارف هندسية ونباتية محفورة على الجص ومحراب يكتنفه عمودان على شكل تجويف نصف دائري في حائط القبلة وتوجد على جدرانه قطع رخامية ملونة يعلوها شريط من الزخارف الزجاجية عليه كتابات بخط النسخ أما المئذنة فهي متأثرة إلى حد كبير بمئذنة مسجد سامراء المعروفة بالملوية ويبلغ ارتفاع المئذنة عن سطح الأرض 40.44 متراً وتربطها بحائط المسجد الشمالي الغربي قنطرة على عقدين من نوع حدوة الفرس أما واجهة المسجد الخارجية فهي مأخوذة من تصميم واجهة جامع عمرو بن العاص والجدير بالذكر أن هذا المسجد كان يدرّس فيه علوم الطب والفلك والفقه وعلوم اللغة العربية وسائر علوم الدين الأخرى وثلاثة عناصر أساسية كانت تميز جامع أحمد بن طولون أكبر مساجد مصر عندما أمر بإنشاء هذا الجامع الأمير أبوالعباس أحمد بن طولون الذي يرجع أصله إلى المماليك الأتراك ومؤسس الدولة الطولونية في مصر هذه العناصر هي بناؤه على جبل يشكر بن جديلة والذي ينتسب إلى تلك القبيلة العربية التي شيدت خطتها عليه عند الفتح العربي الإسلامي لمصر حيث منح بقعة عالية تشرف على المدينة من أعلى كما قيل أن موسى عليه السلام ناجى ربه من على قمة هذه البقعة الشاهقة فيما يتمثل العنصر الثاني في تميز جامع أحمد بن طولون في طلب ابن طولون المهندس الذي شيد الجامع أن يشيد له مسجداً جامعاً لا تأتي عليه النيران أو تهدمه مياه الفيضان فإن احترقت مصر بقي وإن غرقت بقي فيما ذكر المقريزي أن الجبل كان يشرف على النيل وليس بينه وبين النيل شئ ويتاخم بركة الفيل وبركة هارون فحقق المهندس رغبة ابن طولون وبنى الجامع من الآجر الحجر الأحمر ورفعه على دعامات من الآجر أيضا بل لم يدخل في بنائه أعمدة من الرخام سوى عمودي القبلة لأن أساطين أعمدة الرخام لاصبر لها على الناروعلى الرغم من أن تخطيط جامع بن طولون يتبع النظام التقليدي للمساجد الجامعة المكونة من صحن أوسط مكشوف يحيط به اربع ظلات أكبرها ظلة القبلة إلا أنه ينفرد بمئذنة فريدة تعد من العناصر المعمارية المهمة والأساسية للمساجد وتكاد تكون الوحيدة في العالم الآن على هذا الشكل بعد أن تداعت توأمتها في سامراء ببغداد مؤخرا أثناء القصف الأميركي للمدينة ويقول المقريزي أن ابن طولون بنى منارة هذا الجامع على صفة جامع منارة سامراء أما العنصر الثالث والذي يميز الجامع هو ذلك الجمال المعماري الطاغي الذي يجعل منه أحد أهم شواهد عصر من عصور مصر الرائعة حيث تجاوز في أوقات كثيرة دوره الديني إلى دور تنويري يجمع المصريين على هدف واحد وفكر واحد وإذا كان المؤرخون والباحثون قد اختلفوا في تحديد تاريخ بدء بناء المسجد والفراغ منه فقد ذكر المقريزي أنه ابتدأ في بناء المسجد سنة 263هـ وفرغ منه في سنة 265ه بينما ذكر عبدالله بن عبدالظاهر أن الانتهاء من بناء المسجد بعد تاريخ المقريزي بعام إلا أن المؤكد هو أن أحمد بن طولون دخل مصر عام 254هـ ـ 868م وكانت ولايته قاصرة على الفسطاط فيما كان الخراج موكولا إلى ابن المدبر وكانت بغداد قد شهدت ميلاد أحمد بن طولون العام 220هـ ـ 835م فيما نشأ وترعرع بمدينة سامراء ودرس الفقه والحديث بعد حفظه للقرآن لكن نقطة التحول الكبرى في حياته جاءت بعد أن توفي والده فتزوجت أمه من باكباك الذي تقلد إمارة مصر من قبل الخليفة العباسي المعتز حيث أناب أحمد بن طولون عنه في ولايتها وإذا كانت ولايته قد اقتصرت في البداية على الفسطاط إلا أن سياسته الهادئة دفعته إلى أن يوسع من نفوذه حتى شمل سلطانه مصر جميعها وساهم في ذلك زواجه من خاتون ابنة عمه يارجوخ الذي تولى بعد موت باكباك وعندما بسط نفوذه على مصر جميعها امتد إلى الشام وبرقة واستقل بمصر عن الخلافة العباسية مكونا دولة جديدة بزعامته حكمت مصر منذ عام 254هـ 868م إلى 292هـ 905م وعلى الرغم من وفاة أحمد بن طولون عام 270هـ ـ 884م تولى مصر من بعده أولاده وتعتبر شخصية أحمد بن طولون من الشخصيات المؤثرة في تاريخ مصر الإسلامية حيث نقل مصر من ولاية تابعة للخلافة العباسية إلى دولة ذات استقلال ذاتي حكمها خمس شخصيات طولونية هم أحمد بن طولون خمارويه أبوالعساكر حيش أبوموسى هارون شيبان وظلت الطولونية تحكم إلى أن أرسل الخليفة العباسي قائده محمد بن سليمان الملقب بالكاتب الذي قبض على شيبان وأنهى حكم الدولة الطولونية وعلى الرغم من أن جامع أحمد بن طولون يتربع على ربوة صخرية إلا أن تخطيطه يتفق مع النظام التقليدي السائد للمساجد الجامعة المكون من صحن أوسط مكشوف يحيط به أربع ظلات أكبرها ظلة القبيلة وإن كان ينفرد عن جميع الجوامع السابقة له بمصر بوجود سور خارجي بنفس إرتفاع حوائط المسجد يليه مساحة سماوية زيادة تتقدم المسجد من جهاته الثلاث الشمالية الشرقية والشمالية الغربية والجنوبية الغربية وتبلغ مساحة الجامع مع الزيادات نحو ستة أفدنة وهي على هيئة مربع طول ضلعه 162 متراً ويشترك جامع بن طولون مع جامعي سامراء وسوسة في وجود زيادات باعتبارها أسلوباً هندسياً استخدمه المعماري للصعود المتدرج الغرض منه التحضير النفسي لدخول الجامع وفصل المصلى عن العالم الخارجي بما فيه من ضوضاء وتوفير السكينة والطمأنينة لأداء المناسك وهذه الزيادات ترتفع برواد المسجد من مستوى شوارع المدينة إلى جبل يشكر حيث شيد المسجد وتعد مئذنة جامع أحمد بن طولون من العناصر المعمارية المهمة والأساسية للمساجد وقد شيدت بالزيادة الشمالية الغربية إلى الشرق قليلاً من محور المسجد وتتكون من قاعدة مربعة التخطيط ويعلوها منطقة متوسطة اسطوانية التخطيط يجري حولها من الخارج درج سلم صاعد موصل إلى المنطقة العلوية التي تتكون من مثمننين العلوي أصغر من السفلي وفي قمة المئذنة توجد طاقية مضلعة على شكل مبخرة ويتجلى الأسلوب المعماري المحلي في مصر في شكل الجوسق المثمن الذي ينتهي به المئذنة من أعلاها وعلى الرغم من أن مئذنة الجامع تشترك مع مئذنة جامع سامراء في الشكل الاسطواني إلا أن الجوسق والمبخرة التي تعلوها جاءت وفق الأسلوب السائد في مصر منذ أواخر العصر الأيوبي وطوال الفترة المبكرة من العصر المملوكي ويبلغ إرتفاع المئذنة عن سطح الأرض 40,44م فيما يربط المئذنة بحائط المسجد الشمالي الغربي قنطرة على عقدين من نوع حدوة الفرس وقد ذكر المقريزي وابن دقماق أن المنارة كان عليها عشاري وهي على شكل سفينة من البرونز تملأ بالحبوب كطعام للطيور وقد سقطت في 1105هـ / 1693م وعلى الرغم من الزلازل التي ضربت مصر على مدار تاريخها الطويل وخاصة زلزال 702هـ الذي أطاح برؤوس المآذن إلا أن مئذنة جامع أحمد بن طولون مازالت صامدة وإن كانت بعض الآراء والنظريات التي تناولت تاريخ هذه المئذنة تذهب إلى أنه أعيد بناؤها ثلاث مرات وحجتهم في ذلك أن المئذنة جمعت في تكوينها بين الفكرة العراقية للسلم الخارجي وبين أساليب مغربية أندلسية منتشرة في وقت بنائها في أواخر القرن السابع الهجري الثالث عشر الميلادي ويبلغ عدد مداخل جامع بن طولون 19 مدخلاً إلا أن المدخل الرئيسي حاليا هو المدخل المجاور لمتحف جاير أندرسون حيث يوجد أعلاه لوحة تجديد ترجع إلى عهد الخليفة الفاطمي المستنصر بالله أما جاير أندرسون فهو الإنجليزي الذي عاش وعمل بالقاهرة في القرن التاسع عشر وعشق الآثار الإسلامية وأوصى بأن يتحول منزله إلى متحف شاهداً على عظمة العمارة العربية