أنت مدعو للتجول معي في مدونة عمارة الأرض للذهاب في المكان من شمال الأرض لجنوبها ومن شرقها لغربها وفي الزمان من عصور سحيقة في القدم مرورا بعصور الفراعنة وشعب المايا و الصينيين و اليونان و الرومان ولعصور الخلافة الإسلامية ومن عصور النهضة الي العصر الحديث لترى طرائف غرائب و من أصغر بيت في العالم إلى أكبر ما أبدعه الانسان ومن منزل يسكنه الإنسان إلى أعلي ناطحة سحاب في العالم لنغوص في عمق النفس البشرية لنري الرعب أو الجنون أو بيتا يحاكي الطبيعة كالصدف أو البيضة أويشبه حيوان أو تحت الأرض.

214 - حصن سليمان بسوريا


حصن سليمان هو موقع أثري في سوريا على بعد 14 كم من مدينة ومصيف دريكيش وهو الاسم العربي للحصن والمعبد واسمه القديم هو باثيوسي حيث أقام سكان جزيرة أرواد / أرادوس الذين كانوا يسيطرون على جزء كبير من الساحل السوري أقاموا معبدا لعشتروت وبعل والحصن عبارة عن سور بحجارة ضخمة ويتوسط المكان هيكل للمعبد الأثري يقع حصن سليمان في منخفض من الأرض تحيط به المرتفعات الجبلية أنشأه الآراميون عندما استوطنوا هذه المناطق الجبلية الحصينة هربًا من هجمات الآشوريين وتم تكريسه في البداية لعبادة الإله بيتو خيخي ثم جدده السلوقيون والرومان قبل أن تبنى فيه كنيسة في العهد البيزنطي أما اسمه الحالي فيعود للسكان المحليين الذين أثارت حجارته الضخمة إحساسهم بالإعجاز واعتقادهم أن جن النبي سليمان هم من بنوا هذا المعبد وقاموا بنقل الأحجار الضخمة التي تزن أكثر من 70 طنًا ويقع حصن سليمان في محافظة طرطوس ويبعد عن طرطوس 50 كم شرقًا وعن صافيتا 20 كم باتجاه شمال شرق وعن دريكيش 15 كم وعن مصياف 14 كم ويرتفع عن سطح البحر 790م حيث يتوضع في منخفض من الأرض تحيط به المرتفعات الجبلية من كل الجوانب على السفوح الشمالية الغربية من قمة النبي صالح وعلى مسافة 14كم إلى الشمال من بلدة مشتى الحلو وكان يسمى في العصور القديمة بيت أخيخي وفق نصوص الكتابات اليونانية المكتشفة في الحرم الكبير للمعبد حيث كان مكرَّسًا لعبادة إله محلي آرامي اسمه منقوش باليونانية على أماكن مختلفة من المعبد "إله بيتو خيخي" وهو يوازي الإله زيوس رب السماء عن اليونان والحصن هو عبارة عن معبد آرامي قديم تمَّ تجديد بنائه وتوسيعه في الربع الثالث من القرن الثاني الميلادي لقد بنى الآراميون هذا المعبد بعد أن هربوا من الآشوريين وأتوا إلى هذه المنطقة من جبال الساحل لأن الممالك الآرامية كانت غير قادرة على حماية نفسها ولأنَّ الآشوريين كانوا يرهقونهم بالضرائب وعندما توسع الآراميون صاروا بحاجة إلى معبد مخصص لإلههم الرب "بيتو خيخي" ويعد من أحسن المعابد صيانة بعد معبد بل في تدمر وبعلبك وكان هذا المعبد موجودًا زمن السلوقيين وأقيم على أطلال معبد أقدم منه حينما جدد سلوقس نيكاتور بناءه وكرّسه للإله "بعل - زيوس" وسماه "بيت خيخي زيوس" أو "بيت سيسي زوس" ازدهر المعبد في عهد الرومان الذين بدؤوا بتجديده في القرن الأول الميلادي ولكن الإنجاز الحقيقي حدث في القرن الثاني الميلادي خلال حكم الإمبراطور سبتيموس سفيروس وبقيت العبادة تمارس فيه حتى القرن الرابع الميلادي في الفترة البيزنطية أي ما بعد اعتناق المسيحية دينًا رسميًا في عهد الإمبراطور قسطنطين الكبير وتظهر هناك رسالة من القيصر إلى الحاكم كي يحترم الأم تيازات التي منحها حاكم الولاية للسكان كما منح وقف لمعبد زيوس من أجل ذبائح المعبد وأحدثوا سوقًا تجارية كان يتم عقدها مرتين بالشهر بموجب أمر رسمي كما منح حق اللجوء إلى المعبد والاحتماء فيه كما في معبد دافني ومعبد جوبيتر في دمشق وأعفي سكان المنطقة من الضرائب كما أن الكتابات في الحصن تشير إلى أن الإله الأكبر لبيتوسيسي هو اٍله شاف من الأمراض واٍن مريضًا زار 360 طبيبًا دون جدوى وشفي بأعجوبة فيه ويمتد بناء الحصن على مساحة واسعة ويأخذ شكل مستطيل باتجاه شمال جنوب وينتصب هيكل المعبد في أعلى نقطة من منتصف الحرم وهو ذو ثلاثة أقسام رئيسية الحرم الكبير وقاعة العبادة والحرم الصغير وسور الحصن مبني بحجارة مستطيلة ضخمة يصل طولها إلى عشرة أمتار وارتفاعها إلى 2،6م وفي كل جانب من جوانب السور الأربعة بوابة يتم العبور من خلالها إلى حرم المعبد الحرم الكبير وهو مستطيل الشكل أبعاده 85×134م بني بحجارة كلسية محلية ضخمة بلغت أبعاد بعضها 3×9×1.2 مترًا بعضها شذب بشكل نهائي وبعضها الآخر لم يشذب ويتكون الحرم الكبير من 4 بوابات بنيت أيضا بحجارة ضخمة واحدة في كل ضلع في أعلى كل منها حجر مستطيل مزخرف بأشكال للنسر والثور وهي تشبه الرسومات التي وجدت في معبد باخوس في بعلبك ويقع الباب الرئيسي في الشمال ويتألف من ثلاثة مداخل وعرضه 15م وكان للمدخل رواق خارجي وآخر داخلي يستند كل منها على ثمانية أعمدة والرواق الخارجي كان فيه محرابان ومدخلان جانبيان وقوس جميل على المدخل أما بابي الشرق والغرب فكانا متماثلين ولكل واحد منهما محرابان وفي أعلى الباب لوح حجري مزخرف أما في الباب الشرقي فيوجد نقش لرأس رجل وكتابة يونانية تؤرخ تكريس السكان لهذا المكان عام 171 م وفي نهاية الجدار الشمالي يوجد نقش أسدين وكتابة أضيفت فيما بعد عام 255 م خلال حكم الإمبراطورين فاليريان وجالينوس بشكل عام يتألف الحرم من العناصر التالية الجدران والمعبد والرواق المعمّد للبوابة الشمالية والمذبح الكبير وبقايا غرفة أمام الرواق المعمد للبوابة الشمالية ترمز الرسوم النافرة للنسر من خلال المقارنة التي قام بها د. كلاوس ستيفان فرايبرغر بين حصن سليمان ومعبد جرش في الأردن ومعبد باخوس في بعلبك واللذان تم بناؤهما خلال القرن الثاني الميلادي وبالاعتماد على الكتابات المنقوشة على بعض بوابات الحرم الكبير فقد توقع التواريخ التالية لبعض المنشآت المذبح الكبير 132م والبوابة الشرقية 170م والبوابة الجنوبية 204م ولكن تاريخ إنشاء المعبد غير محدد بدقة بالرغم من أن شكل حجارة وبوابات وجدران الحرم الكبير تشير إلى تقنيات ونماذج بناء كانت مستخدمة في نهاية القرن الأول قبل الميلاد أما قاعة العبادة فتعود إلى القرن الثالث الميلادي وهي على شكل مستطيل أبعاده 14×50م بني بحجارة كلسية محلية منحوتة يشكل دقيق وحجمها أصغر بكثير من الأحجام المستخدمة في جدران الحرم الكبير وتصل أكبرها حجما إلى 0.9×0.9×3م يشبه تصميم المعبد تصميم العديد من المعابد الموجودة في سورية ولبنان فضلًا عن أن النموذج الأيوني لتيجان الأعمدة مشابه لنماذج تيجان الأعمدة في معبد جرش في الأردن اكتشفت البعثة الألمانية التي عملت في معبد بعلبك في بدايات القرن الماضي وخلال زيارتها وعملها في موقع حصن سليمان أجزاء من الجدار الأقدم أمام الجدار الجنوبي الحالي للمعبد من الداخل وهذا يشير إلى عملية إعادة بناء تمت مع توسيع المنشأة الدينية والمحافظة على النواة المقدسة لقدس الأقداس وهي العادة الشائعة في ذلك الوقت ومثال على ذلك معبد بل في تدمر أما الحرم الصغير فيقع إلى الشمال الغربي من الحرم الكبير ويبعد عنه 57م ويملك شكلا مربعًا أبعاده 60×60م ويضم المباني التالية معبد صغير شكله مستطيل ويقع في الزاوية الجنوبية الشرقية منه ومعبد ذو مذبح دائري يتوسط الواجهة الشمالية واتجاهه إلى الشمال ومبنى مستطيل ذو جزء دائري يتوسط الواجهة الغربية واتجاهه إلى الغرب وهو مجهول الوظيفة حتى الآن والكنيسة والتي تتوسط الواجهة الشرقية وهي لا تعود إلى فترة البناء الأصلية للحرمين أما تقنيات البناء المستخدمة في جدران الحرم الصغير وبواباته فهي مشابهة لمثيلاتها في الحرم الكبير وهذا يشير إلى فترة بناء واحدة خلال القرن الثاني الميلادي وتصميم أصلي واحد وبالتالي التكامل الوظيفي بين الحرمين وبقي الحرم الصغير على حاله حتى الفترة المسيحية الأولى حيث بنيت الكنيسة ضمنه أما اختيار الموقع للمركز الديني فقد حدده شيئان مهمان هما النبع والصخرة المقدسة تحت المعبد وهو ليس موقعا منعزلا كما نعتقد الآن وإنما كان يقع على الطريق الرئيسية الواصلة بين المنطقة الساحلية والمنطقة الداخلية.