أنت مدعو للتجول معي في مدونة عمارة الأرض للذهاب في المكان من شمال الأرض لجنوبها ومن شرقها لغربها وفي الزمان من عصور سحيقة في القدم مرورا بعصور الفراعنة وشعب المايا و الصينيين و اليونان و الرومان ولعصور الخلافة الإسلامية ومن عصور النهضة الي العصر الحديث لترى طرائف غرائب و من أصغر بيت في العالم إلى أكبر ما أبدعه الانسان ومن منزل يسكنه الإنسان إلى أعلي ناطحة سحاب في العالم لنغوص في عمق النفس البشرية لنري الرعب أو الجنون أو بيتا يحاكي الطبيعة كالصدف أو البيضة أويشبه حيوان أو تحت الأرض.

140 - الجامع الأقمر بمصر

الجامع الأقمر تتجلى شهرة هذا الجامع فى وجهته الفريدة التى جمعت إلى تناسب أجزائها وتناسقها وفرة زخارفها وتنوعها ولما كان على المهندس أن يراعى اتجاه القبلة فى التخطيط الداخلى فقد جاءت الوجهة الرئيسة منحرفة لتساير اتجاه الطريق وعمد إلى شغل الفراغ المتخلف عن هذا الانحراف بدركاة المدخل وسلم المئذنة وغرفتين فتحتا على الداخل وهذه الظاهرة ظاهرة التوفيق بين اتجاه القبلة واتجاه الطريق أول ما نراها فى هذا الجامع ثم نراها بعد ذلك وقد شاعت فى تخطيط المساجد والمدارس التى أنشئت فى العصر المملوكى والقسم الظاهر من هذه الوجهة الآن هو المدخل والجناح الأيسر أما الجناح الأيمن فيحجبه منزل حديث البناء ويقع المدخل فى منتصف الواجهة بارزا عن سمتها وبه الباب المعتب بعتب مزرر يعلوه عقد حلى داخله بأضلاع تسير متوازية من أسفل ثم تتشعع من طبق مستدير زين مركزه بكلمتى محمد وعلى مكتوبتين بالخط الكوفى المفرغ فى الحجر تحيط بهما دائرة زخرفية فكتابة كوفية مفرغة ثم دائرة زخرفية أخرى بلغت صناعة الحفر والتفريغ فيها حد الدقة والإتقان وعلى يسار الباب صفتان تتوج كل منهما أربع حطات من المقرنص وبداخلهما تجويفان ينتهى كل منهما بطاقة مخوصة كما يعلو هاتين الصفتين تجويفان صغيران عقداهما محمولان على أعمدة ملتصقة وتعتبر المقرنصات التى نراها فى هذه الواجهة أولى المحاولات فى تزيين الواجهات بهذا النوع من الزخرف الذى يعتبر من أهم مميزات العمارة الإسلامية ويحلى الجناح الأيسر من الواجهة صفة قليلة الغور تنتهى بعقد مضلع داخله يشبه العقد الذى يعلو الباب وعلى جانبيه معينان فوقهما مستطيلان ازدانت جميعها بزخارف منوعة هذا ويحلى الوجهة ثلاثة طرز من الكتابة الكوفية المزخرفة الطراز الأول فى نهاية الوجهة من أعلى مكتوب فيه اسم الآمر بأحكام الله وإلى جانبه اسم وزيره المأمون البطائحى وألقابه وتاريخ الإنشاء والطراز الثانى عند منسوب رجل عقد المدخل ومكتوب فيه أيضا اسم المأمون وألقابه وأدعية له وتاريخ الإنشاء وهذه الظاهرة ظاهرة اقتران اسم الوزير وألقابه باسم الخليفة إن دلت على شىء فإنما تدل على ما كان عليه الوزراء فى أواخر عصر الدولة الفاطمية من سطوة ونفوذ أما الطراز الثالث فيسير عند منسوب عتب الباب ومكتوب فيه بعض آيات قرآنية وتخطيط الجامع يقتصر على صحن مكشوف مربع طول ضلعه 10 أمتار تحيط به أربعة أروقة أكبرها رواق القبلة عقودها محمولة على أعمدة رخامية فيما عدا أركان الصحن فقد استعيض عن الأعمدة الرخامية بأكتاف مربعة وهذه العقود من النوع المحدب الذى لم يظهر بمصر إلا فى أواخر العصر الفاطمى وكان أول ظهوره فى القبة المعروفة بقبة الشيخ يونس والتى يظن أنها لبدر الجمالى ثم فى هذا الجامع ويحلى حافة العقود المشرفة على الصحن طراز من الكتابة الكوفية الجميلة كما يحلى تواشيحها أطباق مضلعة تتشعع أضلاعها من جامات مزخرفة هذا والأروقة الأربعة مسقوفة بقباب قليلة الغور ما عدا البائكة الأخيرة فى رواق القبلة فيغطيها سقف حديث مستو من الخشب أما المنبر فقد جدد ضمن عملية التجديد التى قام بها فى هذا الجامع يلبغا السالمى فى أيام السلطان الظاهر برقوق فى سنة 799 هجرية = 1396/ 97م وشملت المنبر والمئذنة وغيرهما وأثبت تاريخ هذه العملية فى لوحة ركبت أعلى المحراب وبالرغم من تجديد المنبر فى ذلك الوقت فإنه مازال محتفظا ببعض زخارفه الفاطمية التى نراها بوجهة عقد باب المقدم وخلف مجلس الخطيب كما نرى بعض زخارف فاطمية أخرى فى بعض حشوات الدواليب الحائطية ومعابرها وكذلك فى تجليد معبرة الباب والجدير بالذكر أن المقريزي يروي أن المسجد بنى في مكان أحد الأديرة التي كانت تسمى بئر العظمة لأنها كانت تحوي عظام بعض شهداء الأقباط وسمي المسجد بهذا الاسم نظرًا للون حجارته البيضاء التي تشبه لون القمر