أنت مدعو للتجول معي في مدونة عمارة الأرض للذهاب في المكان من شمال الأرض لجنوبها ومن شرقها لغربها وفي الزمان من عصور سحيقة في القدم مرورا بعصور الفراعنة وشعب المايا و الصينيين و اليونان و الرومان ولعصور الخلافة الإسلامية ومن عصور النهضة الي العصر الحديث لترى طرائف غرائب و من أصغر بيت في العالم إلى أكبر ما أبدعه الانسان ومن منزل يسكنه الإنسان إلى أعلي ناطحة سحاب في العالم لنغوص في عمق النفس البشرية لنري الرعب أو الجنون أو بيتا يحاكي الطبيعة كالصدف أو البيضة أويشبه حيوان أو تحت الأرض.

307 - زقوره أور بالعراق

زيقورة ننار إله القمر في مدينة أور والزيقورة بناء هرمي مدرّج شُيِّد في المدن الرافدية العراق القديم منذ الألف الثالثة قبل الميلاد وتتكون الزيقورة من عدة طبقات تعلوها حجرة الأقداس وهي هيكل مخصص لآلهة المدينة ويستريح فيها في طريق نزوله من السماء إلى الأرض حيث معبده المشيد قريباً من الزيقورة وتعد الزيقورة معبداً تصاعدياً وثمة مجموعة من الأسباب كانت وراء بناء الزيقورة أولها أن الإنسان الرافدي يعتقد أن الكون مؤلف من طبقات يهيمن على كل طبقة آلهة ممثلة بكوكب سماوي وأن الشكل الهرمي يعبر عن الأرض في قاعدته وعن السماء في ذروته وثمة أسباب إنشائية تجعل بناء الزيقورة هرمياً هي الترسيخ والثبات في الأرض ولاسيما أيام الفيضانات وكانت العبادة في بلاد الرافدين كوكبية إذ كان صفاء السماء وإشراق الكواكب سبيلاً لدراسة الأنواء والاتجاهات ولمعرفة الغيب والتنجيم وسبيلاً أيضاً للاستشفاء وكانت الزيقورة تجسيداً وسبيلاً لهذه العبادة ويختلف عدد طبقات الزيقورة باختلاف عدد الكواكب المكتشفة والمعبودة فقد ابتدأت في الوركاء ذات طبقة واحدة تُرى في زيقورة إانا بيت السماء ثم استقرت في العصر السومري مؤلفة من ثلاث طبقات مستطيلة الطبقة الصغيرة فوق الأكبر منها على شكل هرم مدرج وفي الأعلى تقوم حجرة الأقداس وأمثلتها في زيقورات أور وأريدو وأوروك وفي العصر الآشوري كانت الزيقورة مؤلفة من سبع طبقات يصعد إليها بوساطة منحدرات لولبية تدور حول الزيقورة المضلعة وكان برج بابل على شاكلتها ومن هذه الزيقورة استوحيت مئذنة سامراء الملوية ولكنها دائرية وليست مضلعة وفي العصر الكلداني كانت الزيقورة مؤلفة من سبع طبقات وصفها هيرودوت وكان لكل طبقة لون يرمز إلى أحد الكواكب السبعة وكان لون الطبقة السفلى أسود ويرمز إلى زحل وبعدها طبقة بيضاء ترمز إلى عشتار الزهرة وبعدها طبقة بلون أحمر يرمز إلى مردوخ المشتري ولون الطبقة الرابعة أزرق يرمز إلى عطارد ولون الطبقة الخامسة قرمزي يرمز إلى المريخ ولون السادسة فضي يرمز إلى ننار أوسين القمر والطبقة الأخيرة ذات لون ذهبي يرمز إلى شماش الشمس وتقوم الزيقورة على قاعدة مربعة ترمز إلى الجهات الأربع وبهذا تمثل الزيقورة الكون كاملاً على شكل هرم مدرج يرمز إلى التسامي والقدسية كما يرمز إلى وحدة الأرض ممثلة بالإله أنكي مع السماء ممثلة بالإله أنو ومازالت طريقة بناء الزيقورة واضحة في بعض بقايا الزيقورات فلقد كانت مؤلفة من اللب المبني بوساطة ألواح الطين المجفف على شكل قوالب مربعة أو مستطيلة ذات أبعاد محددة وثابتة وتنضّد القوالب على شكل مداميك يفصلها عن بعضها طبقات من الحصير لتمكين البناء وفي الطبقات العليا يُستبدل بالحصير القصب وتنفتح في جسم الزيقورة ثقوب تخترق لب البناء مشكلة قنوات أفقية محشوة بحبال البردي يبلغ قطرها ذراعاً وذلك لدعم الجدران الخارجية والتخفيف من حمولة الطين المجفف ولتسهيل انسياب مياه الأمطار والسيول كي لاتؤثر في جسم البناء ويكسى لب البناء بألواح من الآجر المشوي بقياسات محددة وتستغل هذه الألواح في بلاط الأرض والأدراج وإن أقدم أمثلة على الزيقورات المكتشفة يُرى في أريدو وهي أقدم مركز حضاري سومري يقع قريباً من الخليج العربي وفيه عثر على زيقورة ومعبد أنك وقد أعيد بناء الزيقورة في عصور لاحقة فبدت هرماً مدرجاً يقوم على مصطبة غير متناسقة ولعل أقدم زيقورة مازالت في وضع متكامل هي زيقورة ننار إله القمر في مدينة أور والتي رممت مؤخراً ترميماً واسعاً وقاعدة هذه الزيقورة مربعة وهي مبنية بألواح الطين المشوي والطين المجفف أبعاده40×20سم ورتب التغليف الآجري الخارجي على شكل محاريب مضلعة ومتعاقبة وتتألف هذه الزيقورة من أربع طبقات يصعد إليها عن طريق درجات مستقيمة الاتجاه تتعامد مع الضلع الشمالي الشرقي للزيقورة وصولاً إلى أعلى طبقة حيث حجرة الأقداس وقد تستعمل هذه الحجرة لحفلات الزواج المقدس وإلى جانب الزيقورة مجموعة من الأبنية كانت مكاناً للاستراحة فيه مائدة النذور وبناء مخزن المعبد ومقر الكاهنة الكبرى ثم مطبخ الملك وأخيراً القصر الملكي ويمكن اعتبار الزقورة السومرية في مدينة الناصرية جنوب العراق أقدم دليل أثري في الواقع على وجود معبد يشير إلى علاقة الإنسان بالديانات القديمة ومعرفته بالجانب الروحي الذي أنضج بعض طقوسه التي ربما ما زال بعضها متواصلا في الحياة حتى اليوم وتعد زقورة أور التاريخية في مدينة الناصرية 300 كلم جنوب بغداد التي بناها مؤسس سلالة أور الثالثة وأعظم ملوكها سنة 2050ق.م هي الدليل على اعتناق الناس آنذاك لديانات واسعة لها أهمية في حياتهم و زقورة أور مستطيلة الشكل، أبعادها 200×150م وارتفاعها 45 قدما وقد كانت بالأساس مكونة من ثلاث طبقات يرتفع فوقها معبد مخصص لعبادة كبير آلهة المدينة سن ويرتقي إليها بواسطة سلمين جانبيين وثالث وسطي ثم أصبحت فيما بعد تتكون من سبع طبقات في عهد الحكم الكلداني واكتسبت زقورة أور أهمية تاريخية وأثرية في العالم أجمع وجذبت العديد من السياح العرب والأجانب لزيارتها والاطلاع على ما توصلت إليه حضارة وادي الرافدين من عظمة ورقي في ذلك الوقت وارتباط طقوس الأديان القديمة بجماليات فنية مثل الموسيقي التي كانت تعزف في المعابد خلال الأعياد فمن المقتنيات التي عثر عليها في المقبرة الملكية بمدينة أور الأثرية التي يرتقي زمنها إلى سلالة أور الأولى حوالي 2600 ق.م القيثارة الذهبية إذ تحوي المقبرة إضافة إلى القيثارة قبور الملوك وكبار أفراد أسرهم وقد دفنوا بملابسهم الجميلة ومجوهراتهم الثمينة ومنها حلي الملكة شبعاد وغيرها من الآثار المصنوعة من الذهب والأحجار الكريمة وقد احتلت نسخة من هذه القيثارة مكانا بارزا ما بين ساحة الاحتفالات ومدينة الألعاب في مدينة الناصرية لتشير إلى أهمية هذه المدينة تاريخيا وفي مدينة الناصرية وقرب آثارها القديمة التي تعود للعصر السومري وما بعده يحتل البيت المقدس لسيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام مكانة دينية وتاريخية بارزة في صفحات تاريخ العراق الذي تمتد جذوره إلى عهود سحيقة منذ بدء الخليقة إلى يومنا هذا فهو البيت الذي انبعث منه نور الرسالات السماوية لأبي الأنبياء الذي ترعرع في كنف أبيه ليحمل الرسالات التي شعت أنوارها إلى أرجاء المعمورة وليس غريبا أن تحتضن أرض سومر البيت المقدس الواقع على بعد 15 كيلو مترا من جنوب غرب الناصرية في محافظة ذي قار لتشير إلى معرفة الناس آنذاك بالأديان والمعتقدات إذ كانت مركزا عظيماً لثلاث سلالات حاكمة وذكر أنها كانت الموطن الأصلي لسيدنا إبراهيم عليه السلام ويقع البيت ضمن رقعة تكاد تكون مثلثة الشكل تبلغ مساحتها 2200 مترا مربعا وشهد البيت حملة للصيانة والإعمار خلال مراحل متعددة مما ساعد على وضوح الجدران في الجزء المنقب والتي جرت خلال الأعوام 1922-1934 في مدينة اور الأثرية وبهذا يعد بيت أبي الأنبياء إبراهيم الخليل عليه السلام معلما دينيا وتاريخيا يبقى شاهدا على عراقة حضارة العراق القديمة.