أنت مدعو للتجول معي في مدونة عمارة الأرض للذهاب في المكان من شمال الأرض لجنوبها ومن شرقها لغربها وفي الزمان من عصور سحيقة في القدم مرورا بعصور الفراعنة وشعب المايا و الصينيين و اليونان و الرومان ولعصور الخلافة الإسلامية ومن عصور النهضة الي العصر الحديث لترى طرائف غرائب و من أصغر بيت في العالم إلى أكبر ما أبدعه الانسان ومن منزل يسكنه الإنسان إلى أعلي ناطحة سحاب في العالم لنغوص في عمق النفس البشرية لنري الرعب أو الجنون أو بيتا يحاكي الطبيعة كالصدف أو البيضة أويشبه حيوان أو تحت الأرض.

412 - مسجد نيوجيه بالصين

مسجد نيوجيه هو من أقدم المساجد في شمالي الصين وقد بني سنة 996م حسب ما جاء في تاريخ قانغشانغ وتفيدنا المدونات التاريخية أن أحد العرب ويدعى الشيخ قوام الدين قد جاء من بلده إلى الصين وكان معه ثلاثة أولاد ابنه البكر صدر الدين وابنه الثاني ناصر الدين وابنه الثالث سعد الدين وكلهم أذكياء وأكفاء فوق العادة وكان من طبيعتهم أن عاشوا عيشة الاعتكاف فلم يستسيغوا أبدا الوظائف التي منحهم إياها البلاط الإمبراطوري ولذلك فقد أنعم على كل منهم بلقب إمام المسلمين حين استوطنوا الصين أما صدر الدين فقد غادر مقره إلى أماكن أخرى لنشر الإسلام ولم يرجع وقام سعد الدين ببناء مسجد في دونغقوه الناحية الشرقية من بكين كما قام ناصر الدين ببناء مسجد في ضاحية بكين الجنوبية أي ناحية نيوجيه اليوم بأمر من الإمبراطور وهذا المسجد الأخير هو مسجد نيوجيه اليوم وقد كان مسجد نيوجيه صغير الحجم في بادئ الأمر ثم أصبح على الصورة التي نراها اليوم بعد توسيع بنائه مرارا في عهد أسرتي مينغ وتشينغ (1368-1911م) وفي سنة 1474م أطلق الإمبراطور عليه اسم لي باي سي الذي يعني دار الصلاة ولما تم ترميمه سنة 1696م على حساب البلاط الإمبراطوري منح لوحا مكتوبا عليه دار الصلاة الإمبراطورية وتبلغ مساحة هذا المسجد حوالي 6000 متر مربع ومع أن مبانيه لا تختلف عن القصور الكلاسيكية الصينية شكلا وتوزيعا إلا أنها مميزة بالزخارف الإسلامية الطراز أما قاعة الصلاة في المسجد فتواجه الشرق وهي تشكل مع القاعة المقابلة لها وجناحي المسجد الجنوبي والشمالي دارا مربعة مثالية أي دار تحيط بها المباني من الجهات الأربع وتتوسطها ساحة رحبة وأما بوابة المسجد فهي مفتوحة إلى الغرب وأمامها حاجز من الطوب كبير ووراءها برج لمشاهدة الهلال سداسي الأضلاع مزدوج الأفاريز وأمام قاعة الصلاة اثنتان من المقصورات الصخرية تنتصب إحداهما في الجنوب والأخرى في الشمال وتبدو مباني المسجد منسجمة متناسقة ومحكمة فهي مجموعة كاملة من المباني الرائعة وتتكون قاعة الصلاة من ثلاثة مبان متراصة طولاً وخمسة فسح عرضا وهي تغطي مساحة قدرها أكثر من ستمائة متر مربع وتتسع لقرابة ألف مصلي في آن واحد ولو ألقيت نظرة على القاعة من الخارج لوجدتها مبنى كلاسيكيا صينيا نموذجيا بما تتميز به من الأفاريز المرفوعة والتركيبات الخشبية الزاهية الألوان غير أن زخارفها الداخلية إسلامية الطراز تماما ومحارب قاعة الصلاة مسقوف بمقصورة مسدسة الأضلاع مخروطية الشكل مميزة بالسقف الدائري الملون من عهد أسرة سونغ (960-1279م) وعلى جدرانها الجنوبية والشمالية نوافذ منقوشة بالكتابات العربية وفي قاعة الصلاة ثماني عشرة دعامة وواحد وعشرون عقدا وتظهر على عتبات العقود العليا نقوش من الآيات القرآنية والتسابيح الإلهية والمدائح النبوية وعلى جنبات الدعامات القرمزية اللون نقوش لزهور مموهة بالذهب مما يشكل مع الثريات المعلقة في القاعة منظرا فريدا من نوعه وكان لهذه القاعة عيب متمثل في الحرارة الخانقة التي يعاني منها المصلون صيفا والبرد القارص شتاء لشدة قدمها ولكن هذا العيب قد تم تفاديه بعد تزويدها بأجهزة التهوية منذ سنوات ولو ذهبت إلى الركن الجنوبي الشرقي من المسجد لألفيت نفسك أما مرقدين للشيخ أحمد البرتاني المتوفي سنة 1280م والشيخ عماد الدين المتوفى سنة 1283م وهما من علماء الإسلام العرب الذين جاءوا إلى الصين لنشر الإسلام وتنتصب بجوار هذين الضريحين شاهدتان منقوشتان بكتابات عربية واضحة الخطوط حتى يومنا هذا وهما في نظر المسلمين المحليين من روائع الآثار الإسلامية ومن ضمن محفوظات المسجد لوح منقوش عليه أمر أعلنه الإمبراطور كانغشي سنة 1694م بخصوص المسلمين إذ قيل أنه لما وجد الحاقدين على الإسلام المسجد مضاء بالأنوار المتألقة في ليالي رمضان وشي بالمسلمين إلى الإمبراطور بدافع التقرب اليه وزعم قائلا أن المسلمين يجتمعون ليلا ويتفرقون نهار فيبدو أنهم يستعدون للتمرد فتوجه الإمبراطور في بزة مدنية إلى المسجد خفية للتحقق من الأمر ولكن تبين له أن كل ما ورد في وعظ الإمام هو من التعليمات الإسلامية الداعية إلى الخير والناهية عن الشر فما لبث أن أصدر أمرا جاء فيه ليكن في علم جميع المقاطعات أنه إذا افترى أحد الموظفين أو الرعايا على المسلمين بالتمرد متذرعا بذريعة تافهة فلا بد من معاقبته معاقبة شديدة قبل استشارة القيادة العليا وليتمسك المسلمون بالإسلام دون السماح لهم بمخالفة أمري هذا وبعد تأسيس جمهورية الصين الشعبية سنة 1949م خصصت الحكومة مبلغا لترميم مسجد نيوجيه ترميماً شاملاً ولكنه عاني من التخريبات الخطيرة في هوس الثورة الثقافية كما أغلقت أبوابه أكثر من عشر سنوات وفي سنة 1979 أعيد ترميمه على نطاق واسع وعبر أكثر من سنة من الإصلاحات الدقيقة تجددت ملامح هذا المسجد العريق كما كان عليه سابقا.